ثم زعم أن هذا هو معنى الامر بين الامرين من الجبر والقدر ، وهو أن النقائص والقصورات اللازمة في هذا العالم لبعض الصفات المنسوبة إلى الحق تارة وإلى الخلق ، اخرى انما نشأت ولزمت من خصوصية هذا الموطن فعادت الينا لا إلى الصفة الالهية ، وهو معنى قوله تعالى في الحديث القدسي" أنت أولى بسيئاتك منى" (١) ، ومعنى قوله : (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (٢) أن الأفعال الصادرة منه بلا واسطة وكذا الصفات الالهية الثابتة له في مقام التوحيد قبل عالم الكثرة ليس فيها شائبة النقص والقبح حتى يرد فيها السؤال ، لان عالم الالوهية كله نور وكمال.
ثم نقل عن بعض أصحاب القلوب ، والظاهر أنه ابن العربي ، أنه ذكر تقريبا للطبائع والافهام وتسهيلا لفهم التوحيد الافعالى على العقول فيما يضاف إلى الجمادات والاعجام ، فان الحجاب عن ادراك هذا التحقيق أمران :
احدهما اختيار الإنسان والحيوان.
وثانيهما ما ينسب إلى الجمادات وسائر الاجرام.
اما الأول : فان نسبة إرادة الإنسان إلى مشيئة الله تعالى كنسبة ادراك الحواس إلى ادراك العقل.
__________________
(١) الكافي ج ١ ص ٥٠ باب المشيئة والارادة ح ٦ ، وباب الجبر والقدر والامر بين الامرين ص ١٥٧ ح ٣ ، وص ١٦٠ من نفس الباب ح ١٢ بسند ثالث.
(٢) الآية ٢٣ من سورة الأنبياء.