وأدبّا وبلاغة من جهة ، وعقيدة وتفسيرا وأخلاقا وسلوكا من جهة أخرى. وما ذاك إلا لأنه في مسيرته العلميّة وأثناء طلبه للعلم قد تنقل بين العلوم المختلفة ، وأحسب أن هذا الأمر قد أثّر عليه من جهتين :
أولاهما : أنه لم ينل البروز المطلق في فنّ من الفنون ، التي خاض فيها ـ باستثناء «المفردات في ألفاظ القرآن» ـ وإن كان قد برع في جميعها ، لكنه كان يستطيع التميّز أكثر لو كان تركيزه منصبّا على تخصص واحد من العلوم ، كما كان أغلب علماء عصره يفعلون.
وثانيهما : وقوعه في بعض الأخطاء والتناقضات ، التي تستغرب على عالم مثله ، فتراه واعظا مؤثرا للآخرة على الدنيا ، داعيا إلى الاشتغال الدائم بالعبادة والذكر وتطهير النفس ، ودحر الهوى ، والبعد عن الرذائل وسفاسف الأمور في بعض كتبه : ك «الذريعة» و «تفصيل النشأتين» ، وتراه في المقابل مكثرا لذكر أمور السخف والمجون والغزل غير العفيف شعرا ونثرا في كتب أخرى له : كالمحاضرات ومجمع البلاغة على التفصيل ، الذي سيأتي بيانه عند الحديث عن كل كتاب من هذه الكتب ، ضمن آثاره العلميّة (١).
وبينما تراه ينص على أن عقيدته التي يدين الله بها ، هي ما كان عليه السلف الصالح : «كمالك بن أنس والليث بن سعد والأوزاعي وسفيان الثوري وابن عيينة والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم من الأئمة
__________________
(١) انظر : ص (٧٣) وما بعدها من هذا البحث.