و (الرَّحِيمِ) لما يختص به أنبياءه وخواصه مما لا يعطيه من لا يجري مجراهم فإنه إذا احتمل الكلام معنيين كان أليق بالفصاحة والكمال من أن يكون للتكرار والتأكيد أو يقال لعل معنى (الرَّحْمنِ) بخواصه بالعنايات الزائدة و (الرَّحِيمِ) بمن دونهم من المخلوقات بدون تلك العنايات وأما تشبيه الرماني بأين أينا وكم وكم وكلما ذكره فإنه ما أورد لفظين مختلفي الصيغة حتى يكون احتجاجه بهما على تكرار (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) مع اختلاف صفاتهما.
أقول وأما قول الرماني إنما دل بالإلهية على وجوب العبادة وصله بذكر النعمة التي يستحق بها العبادة فيقال له إن في لفظ (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ذكر النعم المختصة بمفهوم (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) وليست شاملة للنعم التي يستحق بها العبادة فإن وصفه تعالى بالمنعم غير وصفه بالرحمن الرحيم وهلا جوز الرماني أن يكون معنى قوله (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بعد قوله جل جلاله (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) أنه تعالى كما ذكر ربوبيته للعالمين وما يجب له من الحمد له على عباده وعرف منهم التقصير في القيام لحق الربوبية وتحقيقه ما يستحق من المحامد قال (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) كأنه يريد أنه يرحمهم مع تقصيرهم فيما يستحقه عليهم من دليل ولا يكلفهم بها ما يستحقه من حق الربوبية وحق نعمة.
فصل فيما نذكره مما حصل عندنا من تفسير القرآن لعلي بن عيسى الرماني وهو من قبل آخر سورة البراءة إلى سورة يونس وآخر القرآن نذكر منه من أول وجهة قوله تعالى ـ (وَعَدَ اللهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْكُفَّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) إنما فصل الكفر من النفاق مع أن كل نفاق كفر ليبين الوعيد على كل واحد من الصنفين إذ قد يتوهم أن الوعيد عليه من أحد الوجهين دون الآخر ومعنى (هِيَ حَسْبُهُمْ) هي كافيتهم في استفراغ العذاب لهم وتقديره هي كافية ذنوبهم ووفاء لجزاء أعمالهم.
يقول علي بن موسى بن طاوس أرى كان المهم من الآية ما تعرض له لأنه كل ينبغي أن يذكر كيف ورد لفظ الوعد في موضع الوعيد ـ