عن أحدهما ، فإن قلت : وقع في الحديث النهي عن التناجي مطلقا ، بقوله : " لا يتناجى اثنان دون واحد" (١) ، وظاهر الآية خصوص النهي بك ، جيء الإثم والعدوان ويجواز التناجي بغير ذلك ، قلت : معنى الحديث النهي عن التناجي الملزوم للإثم ، فإن قلت : كيف يفهم هذا الترتيب بين المعطوفات على ما فسرته في الآية لأنك جعلت معصية الرسول أخصها ، ثم العدوان ثم الإثم ، والقاعدة في النهي والنفي البداية لأخص ، والجواب : أن قصد المبالغة في الآية بذكر العدوان والمعصية مدلولا عليها بأمرين : بالمطابقة واللزوم ، والشرط ما قلناه راجع للإثم ، والتقوى راجعة للعدوان ، لأنه إذا اتقى الله لم يعتد.
قوله تعالى : (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
قال الإمام : إلا بخلقه وقدرته ، (وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) ، راجع لمعصية الرسول ؛ لأن اعتقاد الحشر والنشر لا يستفاد إلا من جهة الرسول ، وليس للعقل مدخل فمن صدق الرسول ، فقد اتقى ومن كذبه فقد عصى الله ورسوله.
قوله تعالى : (إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ).
قال الإمام : إلا بخلقه وقدرته ، الزمخشري : إلا بمشيئته وإرادته ، السكوني :
اعتزل هنا ، لأنه ينفي الكلام فالمراد بالإذن ، قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)(٢) [سورة النحل : ٤٠] ، قال شيخنا : عندنا أن الحوادث إنما هي متوقفة على العلم والقدرة والإرادة لا على الكلام ، هذا من جهة العقل ، وأما
__________________
(١) أخرجه مسلم بن الحجاج في صحيحه حديث رقم : ٤٠٥٦ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٥٢٦٦ ، ٥٣٤٢ ، ٦٠٨٩ ، وابن أبي شيبة في مسنده حديث رقم : ٢٣٢ ، ١٨٣ ، والحسين بن مسعود البغوي في شرح السنة حديث رقم : ٣٤١٤ ، ٣٤١٥ ، وعبد الله بن المبارك في مسنده حديث رقم : ٢٦٤ ، والترمذي في جامعه حديث رقم : ٢٧٧١ ، ومالك بن أنس في موطأ مالك برواية محمد بن الحسن الشيباني حديث رقم : ٨٥٠ ، وابن حبان في صحيحه حديث رقم : ٥٨٥ ، ٥٨٦ ، والبيهقي في شعب الإيمان حديث رقم : ١٠٦٧٢.
(٢) وردت في المخطوط قوله تعالى (إنما أمرنا لشيء إذا أردنا أن نقول له كن فيكون) ووردت في المصحف : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، وقد أثبتنا ما في المصحف.