لعثمان : ما حملكم على أنكم عمدتم إلى الأنفال فهي من المثاني ، وإلى براءة وهي من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطوال ، قال عثمان : كان رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم فما يأتي عليه الزمان ، وهو يأتى عليه السور ذوات العدد ، وكان إذا نزل عليه شيء ، وما بعض من كان يكتب ، ويقول : " ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا (١) " ، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فقص رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولم يتبين لنا أنها فيها لمن أحل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب بسطر بسم الله الرحمن الرحيم ووضعتها في السبع الطوال ، قلت : في الحديث دليل ظاهر على بيان ترتيب الآي والسور.
الزمخشري : وعن أبي وهب : إنما توهموا ذلك لأن في الأنفال ذكر اليهود وفي براءة نبذ اليهود ، الطيبي : الأول إشارة إلى قوله (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) [سورة الأنفال : ٦١] ، والثاني : ما ذكره في آية السيف.
الزمخشري : فإن قلت : لم علقت البراءة بالله ورسوله والمعاهدة بالمسلمين.
الطيبي : كان المناسب ترتيب المعاهدة والبراءة كليهما إما إلى المؤمنين معا ، أو إلى ذاته عزوجل معا ، قال : ما سبب التقريب وإنما خلق البراءة بالله ورسوله مع ان المعاهدة مع المسلمين ، وحق البراءة أن تنسب إلى المعاهدة ؛ لأن الله تعالى أذن في المعاهدة فكأنه خاص وبريء ، وأجاب الزمخشري بأن ذلك إعلام بحسب الوقوع وترتيب الوجوه ، أذن الله لرسوله والمؤمنين أولا بالمعاهدة فعاهدوا ثم لما نقض المشركون العهد خبره الله إعلاما آخر ، وقال : اعلموا أن الله ورسوله بريء منهم فتبرأوا منهم أنتم أيضا ، ويمكن أن يقال : المعاهدة لم تكن إلا بإذن الله وإباحته ، فلما نبذ المشركون العهد نسب الله تعالى البراءة إلى نفسه وضم معه ذكر الرسول غضبا عليهم وتهديدا شديدا فيطلق عليه قول الزمخشري أولا أذن الله ، وثانيا : أوجب الله النية ، وقال صاحب الانتصاف : فيه شيء وذلك أنه لا يستند العهد إلى الله تعالى في مقام توهم فيه شائبة النقص إجلالا وتعظيما لكبريائه ، ألا ترى وصية رسول الله صلّى الله عليه وعلى آله وسلم لأمير السرايا ، فإذا نزلت [...] اطلبوا النزول على حكم الله
__________________
(١) أخرجه النسائي في السنن الكبرى حديث رقم : ٧٧٠١ ، وأحمد بن حنبل في مسنده حديث رقم : ٣٨٩.