الآن ، ولو قال هنا : قلت لهم : ما أمرتني به ليحصل الجواب على قوله (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) فلما قال : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) كانت دائمة والدائمة تناقض الوقتية والمطلقة فحينئذ يتم الجواب ، قال السفاقسي : وقوله (أَنِ اعْبُدُوا) تفسير للجملة المتقدمة على إلا ، فرده ابن عرفة بأن مقابل إلا منفي فليزمه أن يكون أن اعبدوا الله منفي وهو باطل ، أو لا يفسر المنفي بالمثبت.
وقال ابن المنير : قال أهل العربية : القول يأتي بعده الفعل المفسر له مقرونا بأن تارة وتارة غير مقرون به.
وقال ابن عصفور : لا يأتي بعده الفعل إلا غير مقرون بأن.
قال الزمخشري : إن جعلناها مفسرة فلا بد من تفسير والمفسر إما قلت ، أو أمرتني وكلاهما لا وجه له ، أما القول فيحكي بعده الجمل من غير أن توسط بينهما حرف النفي لا بقول ما قلت لهم إلا أن اعبدوا الله ، ولكن ما قلت لهم : إلا اعبدوا الله.
قال ابن عرفة : بل إذا قلت : ما يكون تفسيرا بمتعلق القول المفهوم من قلت أي ما قلت [٢٩ / ١٤٤] لهم إلا قولا هو أن اعبدوا الله وإلا فقولا أو شيئا هو أن اعبدوا الله.
قوله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ).
قال ابن عرفة : إن كنت أردت تعذيبهم فهم عبادك ، وإن أردت المغفرة لهم ، ولذا جاء بقول العزة ؛ لأنها سبب المغفرة ، فتقف عند قوله (وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).
قال الفخر الرازي : إن مصحف عبد الله أن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم ، سمعت شيخي ووالدي رضي الله عنه ، يقول : العزيز الحكيم هنا أولى من الغفور الرحيم ؛ لأن كونه غفورا رحيما نسبة الخلق الموجب للمغفرة والرحمة لكل محتاج ، وأما العزة والحكمة فهما لا يوجبان المغفرة فإن كونه عزيزا يقتضي بفعل ما يشاء ويحكم ما يريد فإنه لا اعتراض لأحد ، فلما كان .... (١) متعاليا من جميع جهات الاستحقاق ثم حكم بالمغفرة ولكن الكرم ههنا أتم عما إذا كان كونه غفورا رحيما بسبب المغفرة والرحمة ، وكانت عادته الرحمة عن الكل ثم حكم بالرحمة فكان هذا أكمل.
__________________
(١) طمس في المخطوطة.