أي قادر على إعادتكم وحشركم ، أو قادر على تنعيم من بشر فاهتدى ، وتعذيب من أنذر فتعنت ولم ينزجر.
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ).
زاد هنا (يا قَوْمِ) ، وفي سورة إبراهيم (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ) [سورة إبراهيم : ٦] فأسقط هنالك يا قوم.
قال ابن عرفة : وسبب ذلك أن التكليف إن كان بأمر خفيف لم يقع فيه إطناب ولا تأكيد ، وإن كان بأمر مشق أتى فيه بالنداء ، كما إذا أراد الأب من ابنه أمرا مشقا ، فإنه يقول له : يا ولدي ، افعل كذا بخلاف ما إذا كلفه بأمر خفيف فإنه لا يناديه كذلك ، قلت : وأجاب أبو جعفر بن الزبير بأنه اعتمد في الفائدة على تذكيرهم بأنواع النعم من جعل الأنبياء فيهم وجعلهم ملوكا ، وإعطائهم ما لم يعط غيرهم ، وكان ذلك تشريفا باعتناء الله بهم وتفضيلهم على من عاصرهم ، فناسب نداء موسى لهم يا قوم فالإضافة إلى ضميرهم إشعارا بالقرب والمزية ، ولما اقتصر في سورة إبراهيم على تذكيرهم فنجاتهم من آل فرعون ، وما كان يتوهم فيمن ذبح ذكور أبنائهم ، واستحيا بناتهم ولم يذكر منها شيء من هذا فناسب الاقتصار على خطاياهم دون النداء يا قوم.
قوله تعالى : (وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ).
قال ابن عرفة : إن أريد بالمؤتى الأنبياء فالعالمين عام في الناس كلهم ، أي وأرسل إليكم من الأنبياء ما لم يرسله لأحد من العالمين ، وإن أريد بالمؤتى المعجزات فالعالمين هم عالمون زمانهم ؛ لأن معجزات نبينا محمد صلّى الله عليه وعلى آله وسلم أعظم من معجزات موسى ، وأتى بقوله (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) قال ابن عرفة : أتى به غير معطوف لمغايرة هذه الجملة لما قبلها ، فالأول خبر وتذكير بنعم الله عليهم ، وهذه تكليف وأمر لهم ، وتقدير هذه الأرض إما في الدنيا بكثرة خيراتها ونعيمها ، وإما في الآخرة بكثرة ثواب الأعمال فيها ؛ لأن فيها بيت المقدس.
قوله تعالى : (الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ).
تحريض وحث على دخولها بمعنى أنكم لا بد لكم من دخولها ؛ لأن ذلك مقدر عليكم مكتوب في علم الله تعالى.
قوله تعالى : (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ) لما كانوا في مقام الامتنان بهذا فكانوا حاصلون فيه ، فإن لم يمتثلوا صاروا كأنهم ارتدوا على أدبارهم.