وكان الله ـ تعالى ـ قد أعلمها أنه راده إليها ، وجاعله من المرسلين فلم تزل أخته تراقبه حتى علمت أنه التقط وأدخل دار فرعون ، وأن عين زوجة فرعون ، قد وقعت عليه فألقى الله عليها محبته. فأحبته ليكون قرة عينها وعين فرعون ، راجية أن ينفعها أو يتخذاه ولدا ، وهذا تدبير من الله لموسى وأمه لأنه سيعود إليها لتكون مرضعته وتتقاضى على ذلك أجرا وهي آمنة مطمئنة. يا سبحان الله ينشأ موسى في بيت فرعون عدوه وعدو ربه!!
وكانت عناية الله تلحظه فلم يقبل ثدي امرأة أبدا إلا ثدي أمه.
وسيأتى في سورة القصص مزيد بيان لهذا : وإنما ذكرها ها هنا باختصار على أنه من نعم الله على موسى.
المعنى :
لما سأل موسى ربه أن يشرح له صدره ، وييسر له أمره وأجاب سؤله وأتاه طلبته (مطلوبه) ومرغوبه أخذ يسرد ما من به على موسى فقال :
ولقد مننا عليك وأحسنا مرة أخرى إذ أوحينا إلى أمك ، وألهمناها أمرا لا سبيل إليه إلا بالوحي إذ فيه مصلحة دينية توجب أن يعتنى به فهو أمر عظيم جدير بأن يوحى به من الله.
أوحينا إليها أن تصنع صندوقا محكما ، وتضع فيه موسى ، وأن تقذفه وتلقيه في نهر النيل ، ولما كانت إرادة الله حاصلة صار كأن اليم يعقل وقد أمره الله بأن يلقيه إلى الساحل الذي فيه فرعون وامرأته ، فبينما هو جالس على رأس بركة بالساحل إذ بالصندوق فأمر به فأخرج ففتح فإذا صبي أصبح الناس وجها ، فأحبه عدو الله حبا شديدا لا يتمالك أن يصبر عنه هو وزوجته ، وذلك معنى قوله : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي) أى : أحبه الله وحببه إلى خلقه وبالأخص فرعون وزوجته آسية.
ولتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك ومراقبك كما يرعى الرجل الشيء العزيز لديه بعينه إذ تمشى أختك في أثرك فتراك قد امتنعت عن المرضعات كلها. فتقول لهم في ثوب الناصح : أفلا أدلكم على مرضع له فيقول لها : هاتها فأحضرت له أمه فأرضعته ، وهذا معنى قوله تعالى : (فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ).