ثم اختلفوا في معنى ذكر الله :
فمنهم من قال : معناه القرآن على مثال قوله : (قَدْ أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً. رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللهِ ..). [الطلاق : ١٠ ، ١١] يعني : قرآنا ورسولا.
ومنهم من قال : معنى الذكر التوحيد.
فإن كان تأويله القرآن ، فهو يتوجه إلى المنافقين والمؤمنين جميعا ، فإن كان في المنافقين فكأنه قال : لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن النظر والتأمل في القرآن ؛ لأن الله تعالى بين [في القرآن](١) أمورا تطهر سرائرهم وما يظهر عندهم أن الرسول لا يختلقه من تلقاء نفسه ، وأنه إنما يقوله بالوحي ، فكأنه يقول : إذا تأملتم النظر في القرآن ، حملكم ذلك على التحقيق في الإيمان ، فلا يحملكم حب المال والولد على ترك التأمل في القرآن ؛ لأنكم إذا نظرتم فيه ، وتأملتم ، حصلتم منه على تحقيق الإيمان ، والله أعلم.
وإن كان في المؤمنين ، فمعناه : ألا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن النظر في القرآن ؛ فإنكم إذا نظرتم فيه ، صرتم من أهله ، وجل قدركم.
وإن كان المراد من الذكر التوحيد ، فهو راجع إلى الناس كافة : فأما المؤمنون ، فكأنه حذرهم عن حب المال والولد أن يحملهم غاية حبهما على أن ينسوا وحدانية الله تعالى والإيمان بالرسل والبعث ، فكأنه يقول : لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم كما ألهى الكفرة ، فيحذرهم عن أن يقعوا في الهلاك من حبه كما قال : (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ) [آل عمران : ١٣١] يعني : اتقوا السبب الذي يفضي بكم إلى النار المعدة للكافرين ، فكذلك الأول.
وإن كان في المنافقين فكأنه قال : لا يحملكم حب المال والولد أن تتركوا حقيقة الإيمان به والتوحيد له والطاعة لرسوله ، عليهالسلام.
وقوله تعالى : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).
فعلى ما ذكرنا من التأويلين في إنكار البعث والتوحيد ظاهر ، وإن كان في المؤمنين فمعنى الخسار : هو الخوف من أن يقع به الوعيد.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ).
يجوز أن يكون صلة قوله : (لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) فيمنعكم ذلك عن الإنفاق ؛ فإنكم إذا امتنعتم عن الإنفاق ازداد حبكم ، فتنسون وحدانية الله تعالى وطاعة رسوله ، عليهالسلام.
__________________
(١) سقط في أ.