الجمع أيضا (أَنَا آتِيكَ بِهِ) أي : الله يأتيك به كأنه يقول : إن الله قادر على أن يأتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك.
قال بعضهم في قوله : (الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ) أي : له نظر في الغيب ، وعلم بمجاري الغيوب ؛ فعلم أن الله يريد أن يأتي سليمان بذلك ؛ فأخبر عن حقيقة الغيب.
ثم أخبر سبحانه عن رؤية سليمان فضله ، والثناء عليه ، والشكر له خاصة مفردا عن النظر إلى الأغيار (فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قالَ هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي) في قوله هذا من فضل ربي غيرة سليمان على آصف ، ودفع النظر عن الوسائط ، وهذا أيضا من غيرة التوحيد ، فأشار بهذا اللفظ أن آصف وصنيعه عامل من عمل حضرته خلقه الله لنصرته ونفاذ مراده.
قال أبو حفص : من رأى فضل الله عليه أرجو ألا يهلك ، قوله : (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) فيه بيان أن شكر الشاكرين منصرف عن المشكور الأزلي إليهم لا إلى الحق ؛ فإنه تعالى منزه عن شكر الشاكرين ، وصبر الصابرين ، ومعرفة العارفين ، وطاعة المطيعين ، إسلام المسلمين ، وكفر الكافرين بقوله : (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (٤٠) ، واستعمال لفظ الكرم ، والغنى هاهنا من إشارة علم المجهول إذ استغنى الحق بجلال عزته عن كفر الكافر ، وإسلام المسلم ؛ فقد أسقط الكل عن شرائع الربوبية ومشاهد القدسية وبقي الحق للحق منفردا بنفسه ، مستغنيا عن غيره ، وإذا كان الأمر كذلك ؛ فهو كريم يتفضل على الجميع ، ويؤديهم إلى ساعة غنى بقائه وقدمه ، إذ لا يضر به كفر الكافر ، ولا ينفع به إيمان المؤمن ؛ فإذا اشتمل بغناه ، وكرمه من العرش إلى الثرى ، ولا يعاقب أحدا من حيث استغنائه وكرمه.
قال الجنيد : الشكر فيه علة ؛ لأنه يطلب لنفسه المزيد ، وهو واقف مع ربه على حظ نفسه ، قال الله : (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) أي : طالبا للمزيد.
وقال الواسطي : في الشكر إبطال رؤية الفضل ، كيف يوازي شكر الشاكرين فضله ، وفضله قديم ، وشكرهم محدث ، (وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) ؛ لأنه غني عنه ، وعن شكره.
وقال الشبلي : الشكر هو الخمود تحت رؤية المنة.
(وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٥٠) فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ (٥١))
قوله تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (٥٠).
امتناع سر الأزلية عن مطالعة الخليقة ؛ فإذا كان كذلك من ينجو من مكره ، والحدث لا