وقال بعضهم : عرف إليهم حتى عرفوه ، وبصّرهم حتى أبصروه ، وذلك حين شرح قلوبهم برؤية الصنع ، وأعمى أبصارهم عن النظر إلى سواه ، فبشرح الصدر عرفوه ، وبالعمى عن غيره أبصروه.
وقال يحيى بن معاذ : قساوة القلب من اتباع الهوى.
وقال : عقوبة القلب الرين والقسوة.
وقال الحسين : قساوة القلب بالنعم أشد من قسوته بالنسيان والشدة ؛ فإن بالنعمة يسكر ، وبالشدة يذكر ، وأنشد في معناه :
قد كنت في نعمة الهوى بطرا |
|
فأدركتني عقوبة البطر |
وقال : من همّ بشيء مما أباحه العلم تلذذا عوقب بتضييع العمر وقسوة القلب وتعب الهم في الدنيا.
وقال الأستاذ : النوري الذي من قبله سبحانه نوّر اللوائح بنجوم العلم ، ثم نوّر اللوامع ببيان الفهم ، ثم نوّر المحاضرة بزوائد اليقين ، ثم نوّر المكاشفة بتجلي الصفات ، ثم نوّر المشاهدة بظهور الذات ، ثم أنوار الصمدية بحقائق التوحيد ، وعند ذلك فلا وجد ولا قصد ولا قرب ولا بعد ، كلا بل هو الله الواحد القهار.
وقال في قوله : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) : الصلبة قلوبهم التي لم يفتر عنها خواطر التعريف ، فبقيت على مكاره الجحد ، أولئك في الضلالة الباقية والجهالة الدائمة ، نعم ما قال المشايخ في تفسير هذه الآية ، ولكن حقيقة تفسيرها ما قال النبي صلىاللهعليهوسلم حين سئل عن تفسير الشرح المذكور في القرآن فقال : «ذلك نور يقذف في القلب. فقيل : هل لذلك أمارة؟ فقال عليه الصلاة والسلام : نعم ، التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والاستعداد للموت قبل نزوله» (١) ، قوله عليهالسلام بيّن هذه الأقوال في الآية كالشمس بين الكواكب ، بل نوره بين أنوار الأنبياء والأولياء والملائكة المقربين كنور الشمس بين أنوار الكواكب ، إذا برز نور شمسه أدرج ضوء نورها ضوء الكواكب.
كما قيل : فلما استبان الصبح أدرج ضوءه بأنواره أنوار ملك الكواكب.
(اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٢٣) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ
__________________
(١) رواه أبو نعيم في الحلية (٩ / ٢٤٦) ، والطبري في تفسيره (٨ / ٢٧).