قال الحسين : على مقدار افتقار العبد إلى الله يكون غناه بالله ، وكلما ازداد افتقارا ازداد غنى.
قال الواسطي : من استغنى بالله لا يفتقر ، ومن يتعزّز بالله لا يذل.
وقال جعفر الصادق : أنتم الفقراء بذل العبودية والله الغني بعز الربوبية ؛ لأن الربوبية القهر والغلبة والعبودية الخضوع والاستكانة.
(وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ (٢٨) إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللهِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ (٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ (٣٠) وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ (٣١))
قوله تعالى : (إِنَّما يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ) : الخوف عموم والخشية خصوص ، وقد قرن سبحانه الخشية بالعلم بالله وجلاله وقدره وربوبيته والعبودية له ، وحقيقة الخشية وقوع نور جلال الحق في العارفين ممزوجا بسنا التعظيم ورؤية الكبرياء والعظمة ، ولا يحصل ذلك إلا لمن شاهد القدم والأزل والبقاء والأبد ، فمن زاد علمه بالله زادت خشيته ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام والتحية والإكرام : «أنا أعرفكم بالله وأخشاكم منه» (١).
قال ابن عطاء : الخشية أتم من الخوف ؛ لأنها صفة العلماء.
وقال النصرآبادي : خشية العلماء من الانبساط في الدعاء والسؤال.
قال حارث : العلم يورث الخشية ، والزهد يورث الراحة ، والمعرفة تورث الإنابة.
وقال الواسطي : أوائل العلم الخشية ثم الإجلال ثم التعظيم ثم الهيبة ثم الفناء ، فإذا فنيت هربت ثم نست حتى نسيت أفعالها.
وقال الأستاذ : الفرق بين الخشية والرهبة أن الرهبة خوف يوجب هرب صاحبه فيجري في تفرقته ، والخشية إذا حصلت كبحت صاحبها ، فيبقى مع الله ، فقدمت الخشية الرهبة في الجملة.
(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ
__________________
(١) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (١ / ٢٣١) بنحوه.