علومه الغيبية تركها خالية عن كشوف أحكام الربوبية ، وأهل الظاهر لما لم يعرفوا المنعم باشتغالهم بالنعمة أهلكهم الله بأن شغلهم بالنعمة عن طلب المنعم.
قال أبو بكر بن طاهر : لما لم يشكروا نعم الله عندهم ، ولما يقابلوا البلاء بالصبر والرضا.
قال الواسطي : وكلنا هم إلى سوء تدبيرهم حين سخطوا حسن اختبارنا.
(وَإِذْ قالَ مُوسى) ظاهرة على ما ذكر في القصص ، ولا سبيل إلى إنكار المعجزات وإما باطنه.
قوله تعالى : (فَلَمَّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا ٣ مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) لما أخطئوا والطريق لم يسرا بالقلب فاثر عليهما النصب ، وذلك بتعليم الله إياهما ؛ بأن جاوزا عن الحد وسر القلب ربما عرف حكم الغيب لم يعرف ذلك القلب والعقل فيتأذى النفس من جهة الجهل به ، ولو عرف القلب والنفس كما عرف السر لم يطرأ عليها أحكام التعب ، ولحوق النصب لهما بأنهما في مقام المادة والامتحان ، ولو كان موسى هناك محمولا بحظ المشاهدة ؛ لكان كما كان في طور لم يأكل الطعام أربعين يوما ، ولم يلحق به تعب وهذا حال أهل الأنس ، والأول حال أهل الإرادة ؛ ألا ترى كيف قال صلىاللهعليهوسلم :
«أبيت عند ربى يطعمني ويسقيني» (١). ولما كان في طلب الواسطة احتجب عن مقام المشاهدة ، وابتلى بالمجاهدة أدبه الحق بذلك ؛ حتى لا يخطر بباله أنه في شيء من علوم الحقائق فإنه تعالى غيور على من يدع بالبلوغ إلى سر الأسرار ؛ لأجل ذلك أخرجه إلى تعلم علم الغيب.
وقال الأستاذ : كان موسى في هذا السفر محتملا ، وكان سفر تأديب واحتمال مشقة ؛ لأنه ذهب لاستكبار العلم ، وجال طلب العلم ، وحال التأدب وقت تحمل المشقة ، ولهذا لحقه الجوع فقال : (لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً) وحين قام في بدء انتظار سماع الكلام عن الله صبر ثلاثين يوما ، ولم يلحقه جوع ولا مشقة ؛ لأن ذهابه في هذا السفر إلى الله ، وكان محمولا.
فإن يقال وإذ قال : (هذا نَصَباً) هو نصب الولادة ومشقتها (قالَ أَرَأَيْتَ) ما عراني (إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ) أي : النحر للارتضاع (فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ) لاستغنائنا عنه (وَما أَنْسانِيهُ إِلَّا الشَّيْطانُ أَنْ أَذْكُرَهُ) أي : وما أنساني أن أذكره إلا الشيطان ، على إبدال أن أذكره من الضمير ؛ وذلك لأن موسى كان راقدا حين اتخذ الحوت سبيله في البحر على ما
__________________
(١) رواه أبو داود (٢ / ٣٠٩) ، والترمذي (٣ / ١٤٨).