(يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) حياة حقيقية بالعلم والمعرفة (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقاً) كما لا ينتفع به بظهور الفضائل ، وطلوع أنوار التجليات ، فتتلذذون بالمشاهدات ، وتتمتعون بالكمالات.
كما قال تعالى : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام : ١٢٢].
وقال صلىاللهعليهوسلم في أبي بكر رضي الله عنه : «من أراد أن ينظر ميتا يمشي على وجه الأرض ، فلينظر أبا بكر» (١) أي : ميتا عن نفسه يمشي بالله ، (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ) قومكم ومعبوداتهم غير الله من مطالبهم المختلفة ومقاصدهم المتشتتة ، وأهوائهم المتفننة ، وأصنامهم المتخذة (فَأْوُوا) إلى كهوف أبدانكم ، وامتنعوا عن فضول الحركات والخروج في أثر الشهوات ، واعكفوا على الرياضات (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) زيادة كمال وتقوية ، ونصرة بالإمداد الملكوتية والتأييدات القدسية ، فيغلبكم عليهم (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ) دينا وطريقا ينتفع به ، وقبولا يهتدي بكم الخلائق ناجين ، وفي الاوي إلى الكهف عند مفارقتهم سر آخر يفهم من دخول المهدي في الغار إذا خرج ونزل عيسى عليهالسلام ، والله أعلم.
وفي نشر الرحمة وتهيئة المرفق من أمرهم عند الاوى إلى الكهف إشارة إلى أن رحمته الكاملة في استعدادهم ، إنما تنشر بالتعلق البدني والكمال بتهيئته.
قال سبحانه : (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذا طَلَعَتْ تَزاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَإِذا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذاتَ الشِّمالِ) الإشارة في الحقائق أنه أخفاهم في كهف الأسرار ، وأجلسهم في متسع الأنوار ، وأشهدهم مشاهدة الجمال ، وآواهم سناء الجمال ، ووقاهم من سطوات أنوار شمس العزة والعظمة والكبرياء التي تطلع من مشرق القدم ، وتغرب في مغرب الأبد ؛ لئلا يحترقوا في أنوار عين الألوهية ، ويفنوا في سلطان إشراق سبحات الكبرياء ، ولا يطلعوا على ذخائر غيوب البقاء ؛ كأنه تعالى رباهم في مشاهدته بنور جماله ، وحفظهم عن قهر كنه قدمه ؛ لئلا يتلاشوا في عزة جلاله ، ويبقى معه بنعت الصحو والبقاء ، ولولا ذلك الفضل العميم لو لم يبقوا في استعلان أنوار وحدانيته بأقل من لمحة رعاهم بنفسه عن نفسه ؛ لإدراك العلم بنفسه هم في فجوة الوصال ، وشمس الكبرياء ، تزاور عن كهف قربهم ذات اليمين الأزل ، وذات الشمال الأبد.
__________________
(١) هو من الأحاديث المشتهرة عند السادة الصوفية ، وهو صحيح عند أرباب الكشف.