الدرجات العلى ، وأعظم درجة في الاخرة التخطي إلى بساط القرب ومشاهدة أعلى وأجل.
قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) : وجب في الأزل للربوبية القديمة العبودية على نعت تجريدها عن رؤية غير الله ؛ لأنه كان تعالى في الأزل موصوفا بالربوبية والأحدية ، وحق العبودية لغيره مستحيل بالحقيقة ؛ لأن عبودية الحدث للحدث على نعت المجاز ، ولا تقع العبودية الخالصة إلا للأزلي الأبدي ، والعبودية إفراد القدم عن الحدوث بنعت الإذعان لتصرفه والخضوع بنعت الفناء لعزته ، وحديث الوالدين بالإحسان ؛ لأنها فعله الخاص ، وحرمة فعله في إيجاد خلقه من حرمة صفته ، وحرمة صفته كحرمة ذاته ، والإحسان للوالدين احترامهما وإجلالهما باحترام الله وإجلاله ، وأشياخ الطريقة وآباء أهل الإرادة والإحسان لهم متابعة أمرهم لمحبة الله.
قال بعضهم : العبودية قطع الأرباب وخلع الأسباب ، والرجوع إلى الحق بالحقيقة.
قال أبو عثمان المغربي : من تحقق في العبودية ظهر سره لمشاهدة الغيوب ، وأجابته القدرة إلى كل ما يريد.
قوله تعالى : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صالِحِينَ) : بما في نفوسكم من إجلال الله وتعظيم كبريائه ، وشهود النعمة على بساط قربه ، ورؤية العقل مشاهدا أنوار آياته ، ومشاهدة الروح ضياء صبح صفاته ، وسكون السر بنعت الأنس إلى عظيم سبحات ذاته ، ونية بذل الوجود لرضاه والصبر والتمكين في قضائه أن يكونوا صالحين مصلحين للخطرات النفسانية بالأنفاس الروحانية ، وتقديس الخليقة بقدس المعرفة ، والفرار منه إليه بنعت الفناء فيه ، وذلك قوله : (فَإِنَّهُ كانَ لِلْأَوَّابِينَ) : راجعين منه إليه بنعت الخجل بين يديه وطلب مزيد القربة منه ؛ فإنه غفور لمن أتى إليه بنعت التضرع والبكاء والخشوع والتواضع في جلال قدره وعظيم كبريائه.
وفيه نكتة : أن سبحانه ذكر النفوس لا القلوب ولا الأرواح ولا الأسرار ولا العقول ، أي : هو أعلم بما في نفوسكم من شرها وسجيتها المائلة إلى الاستكبار والإنكار ، والفرار من الطاعة ، وهواها إلى المعصية ، لذلك قال : إن تكونوا صالحين مائلين عن متابعتها راجعين منها إلى الله.
(غَفُوراً) أي : غفورا لمن أتى إليه بتلك الصفة بنعت الندم على ما سلف من الذنوب طلبا لمشاهدة الغيوب.
قال ابن عطاء : فيها إيمان لها أو ليس فيها إيمان ، إيمان جحود أو إيمان قبول ، إيمان تقليد أو إيمان حقيقة ومشاهدة.