منه ، وقيل : هو الزيتون الذي يسرج منه.
وتأويله : أن الشجر الأخضر خضرته إنما تكون من الماء ، والماء يطفئ النار ، والنار تأكل الحطب والخشب ، فمن قدر على الجمع بين المتضادين وحفظ كل واحد منهما عن صاحبه مما السبيل منها التنافر والتدافع ـ لقادر على البعث ، وأنه لا يعجزه شيء.
وقال بعضهم : قوله : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) هو ما أنشأ لهم من الشجر يتنزهون به ويتلذذون ما دام أخضر ، فإذا أدرك وبلغ ينتفعون بثماره وفواكهه ، ثم يصير حطبا يوقدون منه النار ويصطلون ، فمن قدر على ما ذكرنا لا يحتمل أن يعجزه شيء ، أو من فعل ما ذكر لا يحتمل أن يفعله عبثا باطلا ، فلو كان على ما قاله أولئك الكفرة أن لا بعث ولا نشور ، كان فعل ذلك عبثا باطلا ، والله أعلم.
وقوله : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى).
يذكر ـ والله أعلم ـ أو ليس من قدر على إنشاء السموات والأرض مبتدأ لا من شيء ولا أصل لا يحتمل أن يعجزه إعادة الخلق وبعثهم.
أو يقول : إن من قدر على خلق السماوات والأرض وما فيها قادر على أن يخلق مثلهم ، وخلق المثل إعادة ؛ لأنه إنما يكون بعد هلاك الذين أنشأهم وبعد إماتتهم ، ويخلق مثلهم مع بقائهم سواهم ، وفي ذلك ابتداء خلق وإعادة ؛ فيلزمهم الإقرار بالبعث والقدرة على الإعادة.
ثم أخبر عن قدرته فقال : (بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ).
أي : هو خلق كل شيء من جواهر الأشياء وأفعالهم.
أو هو الخلاق في الدنيا والآخرة ، (الْعَلِيمُ) يحتمل وجوها :
يحتمل العليم ببعثهم ، أو العليم بمصالحهم ومعاشهم وما لا يصلح.
أو العليم بأحوالهم وأنفسهم ما ظهر منهم وما بطن وما أسروا وما أعلنوا.
وقوله : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً).
يحتمل : إنما حاله إذا أراد شيئا (أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، قد ذكرنا معنى هذه الآية فيما تقدم أن كل ما كان ويكون أبد الآبدين إنما يكون ب (كُنْ) الذي كان من غير أن كان منه كاف أو نون أو شيء من ذلك ، إنما هو إخبار عن سرعة نفاذ أمره ومشيئته ، أو إخبار عن خفة ذلك عليه ؛ يقول ـ والله أعلم ـ : كما لا يثقل عليكم قول : «كن» ؛ فعلى ذلك لا يثقل على الله ابتداء خلق ولا إعادته ولا شيء من ذلك.
ثم نزه نفسه وبرأها وذكر تعاليه عما ظن أولئك من البعث في خلق شيء وبطلانه ،