فإن قيل : كيف سمي الإسرائيلي من شيعة موسى وذلك أوّل ما دخل موسى المدينة ، وبنو إسرائيل يومئذ كانوا عباد الأصنام ، وقد حبب ذلك إليهم حتى قالوا لموسى بعد ما أخرجهم من المدينة وبعد هلاك فرعون والقبط جميعا : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] ؛ وكذلك يقول مقاتل : كانا كافرين جميعا ؛ ألا ترى أنه قال : (فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ) ، لكن يخرج هذا على الإضمار ؛ كأنه قال : يكون هذا من شيعته وهذا من عدوه.
أو يقول : يكون هذا من قوم شيعته ويبقى هذا عدوّا في قوم هم أعداؤه ، وعلى هذا يخرج قوله : (فَلَمَّا أَنْ أَرادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُما) أي : يبقى عدوّا لهما ، أو أن يكون عدوّا لهما ؛ لأن أبا معاذ النحوي يستدل به على وهم مقاتل ووهمه في تأويله أنهما كانا كافرين جميعا ، لكن يخرج على ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله : (فَاسْتَغاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) أي : استغاثه الذي كان في علم الله أنه يكون من شيعته على الذي في علم الله أنه يبقى عدوّا له ينصره ، والاستغاثة هي الاستعانة والاستنصار ، أي : سأله أن يكون من شيعته.
وقوله : (فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ) : قال أبو عوسجة : الوكزة : الطعن في الصدر.
وقال الزجاج (١) والقتبي (٢) وهؤلاء : الوكزة : الدفعة (فَوَكَزَهُ) ، أي : دفعه.
(فَقَضى عَلَيْهِ) : قال بعضهم (٣) : أي فرغ منه ؛ كقوله : (فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ) [القصص : ٢٩] ، وقوله : (قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ) [يوسف : ٤١] أي : فرغ ونحوه.
وقال بعضهم : (فَقَضى عَلَيْهِ) أي : قتله.
وكلاهما سواء إذا قتله فقد فرغ منه ، وهو لم يتعمد قتله ولا قصده ، لكن الله قضى أجله وجعل انقضاء عمره بوكزة موسى ، وهو في الظاهر قاتل ؛ لأنه قال : (إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) [القصص : ٣٣] ، ولم يكذب الله موسى في قوله : إنك لم تقتل ، وقال ـ أيضا ـ : (إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي ...) الآية.
وفيه دلالة جواز الاستدلال لقول أبي حنيفة حيث قال : من قتل آخر بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة مما لا ينجو من مثله فإنه لا يقتل به ، ولا يجب القصاص فيه ؛ لأن موسى لما وكز ذلك القبطي فمات ، وكان له قوة أربعين رجلا ـ لم ير القصاص به واجبا حيث قال له ذلك الرجل : (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ. فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) ، ولو كان القصاص واجبا
__________________
(١) ينظر : معاني القرآن وإعرابه (٤ / ١٣٧).
(٢) ينظر : تفسير غريب القرآن ص (٣٣٠).
(٣) قاله ابن جرير (١٠ / ٤٥) ، والبغوي (٣ / ٤٣٩).