ليسوا فيها فرخص لهم في ذلك.
وعلى تأويل من يقول : إنهم كانوا يتحرجون الأكل مع الأعمى ومن ذكر ؛ إشفاقا عليهم وترحما ؛ لما لا يبصرون طيب الطعام ، ولا يأكلون ما يأكل الصحيح ، فرفع عنهم ذلك الحرج ، ورخص لهم في ذلك.
وعلى تأويل من يقول : إنهم كانوا يتحرجون الأكل مع هؤلاء تقذذا واستقذارا ، يرغبهم في الأكل مع أولئك ، وترك التقذذ من ذلك.
ويدل للتأويل الأول ما روي عن أصحاب رسول الله ؛ روي عن محمد بن علي قال : كان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم لا يرى أحدهم أنه أحق بالدنانير والدراهم من أخيه المسلم ، قال : وقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ليأتين على الناس زمان يكون الدينار والدرهم أحبّ إلى الرجل من أخيه المسلم».
وعن ابن عمر قال : «لقد رأيتني وما الرجل المسلم أحق بديناره ودرهمه من أخيه المسلم».
وقوله : (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) يحتمل قوله : (فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) أي : يسلم بعضكم على بعض ، فيصير المسلمين أجمع بعضهم لبعض كأنفسهم ؛ كقوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء : ٢٩] أي : لا يقتل بعضكم بعضا ، وقوله : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [النساء : ٢٩] ونحو ذلك من الآيات ، فصيّر بعضهم لبعض كأنفسهم ؛ لأنهم كشيء واحد ، يتألم بعضهم بألم بعض ، ويحزن بعضهم بحزن بعض ، ويسرّ بعضهم بسرور بعض ، ونحوه ؛ فهم جميعا كشيء واحد ، وأنفسهم جميعا كنفس واحدة ؛ لذلك جعل سلام بعضهم على بعض في حق السلام واحدا.
ويحتمل وجها آخر : وهو أن بعضهم إذا سلم على بعض يرد عليه مثله ؛ فيصير كأنه هو يسلم على نفسه ، وكذلك قوله : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي : لا يقتل أحد آخر فيقتل به ؛ فيكون قاتل نفسه ؛ إذ لو لا قتله إياه لم يقتل به ، وكذلك قوله : (لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [النساء : ٢٩] أنه إذا أكل مال غيره بغير رضاه ضمنه ، فإذا ضمنه فكأنه أكل مال نفسه بالباطل.
ويحتمل أنه أراد به السلام على أنفسهم ؛ أي : يسلم كل على نفسه إن لم يكن فيه أحد ، وكذلك روي عن ابن عباس (١) قال : أراد المساجد : إذا دخلتها فقل : السلام علينا
__________________
(١) أخرجه ابن جرير (٢٦٢٤٦) ، وعبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي كما في الدر المنثور (٥ / ١٠٨).