وقوله ـ عزوجل ـ : (فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً).
وجذاذا : قال بعضهم (١) : قطعا.
وقال القتبي (٢) : جذاذا : فتاتا ، وكل شيء كسرته فقد جذذته ؛ ومنه قيل للسويق : جذيذ ، والجذ : هو القطع ، والمجذوذ : المقطوع ، وذلك قوله : (غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود : ١٠٨] أي : غير مقطوع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِلَّا كَبِيراً لَهُمْ) لم يكسره (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ).
يقول : إلى الصنم الأكبر الذي لم يكسره إبراهيم يرجعون من عيدهم.
وقال بعضهم : لعلهم إلى الحجة يرجعون ، وقيل : هو أحج القولين ، أي : من الحجة.
وقال بعضهم (٣) : (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) ، أي : يتذكرون.
وجائز أن يكون قوله : (لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) ، أي : يرجعون إلى ما يريد أن يكيد لهم في أصنامهم ؛ لأنه إنما يريد أن يكيد لهم إذا رجعوا إلى الأصنام فرأوها مجذوذة ، والكيد : هو الأخذ على الأمن وكذلك المكر.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ).
لو تأملوا كانوا هم الظلمة في الحقيقة ؛ لأنهم كانوا يعبدون تلك الأصنام رجاء منفعة تكون لهم حيث قالوا : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] و (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨] ، فإذا رأوهم لا يقدرون على دفع الكسر والقطع عن أنفسهم ودفع من فعل بهم ذلك ، كيف طمعوا منها نفعا أو دفع الضر عن أنفسهم ؛ لأن من عجز عن دفع الضر عن نفسه فهو عن دفعه عن غيره أعجز ، فهم الظلمة في الحقيقة ؛ حيث طمعوا النفع ودفع الضر ممن لا يملك ذلك لنفسه ، لكن قالوا ذلك سفها منهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) : بالكيد لهم حين قال : (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) ، سمع ذلك القول منه ناس ، فأخبروا قومهم لما قالوا : (مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا) فعند ذلك قالوا : (سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) بالكيد لهم (يُقالُ لَهُ إِبْراهِيمُ).
وجائز أن يكون قوله : (قالُوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ) : بالعداوة ، وهو حين قال : (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعالَمِينَ) [الشعراء : ٧٧] ، أخبر أن أولئك الذين عبدوا الأصنام أعداء له ، فالمعبود الذي عبدوه يكون عدوا له أيضا ، فاستدلوا بذلك القول منه أنه هو فعل بهم ما
__________________
(١) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٤٦٣٢) وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٧٨).
(٢) انظر : تفسير غريب القرآن ص (٢٨٦).
(٣) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير (٢٤٦٣٧) ، وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه ، كما في الدر المنثور (٤ / ٥٧٨).