لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ (٣١) وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَهُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ (٣٢) وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٣٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما).
قوله : (أَوَلَمْ يَرَ) يخرج على وجوه :
أحدها : أن اعلموا وروا : أن السموات والأرض كانت كذا.
والثاني : لو تفكروا وتأملوا لعلموا أنهما كذا.
والثالث : على التنبيه : أن قد رأوا وعلموا أنهما كانتا كذا ، كذلك هذا في كل ما ذكر من قوله : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ...) كذا ، و (أَلَمْ تَرَ إِلَى ...) [البقرة : ٢٤٦] كذا ، فهو كله يخرج على هذه الوجوه.
ثم يكون قوله : (وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ. وَجَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً سُبُلاً لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ. وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً) و (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ) كل هذا كان في قوله : (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا) كأنه يقول : أولم يروا كذا ما جعلناهم من أنواع ما ذكر ، ثم ذكر هذا لهم يكون لوجوه :
أحدها : أن يذكر نعمه عليهم حيث أخبر أن السماء والأرض كانتا رتقا ففتق منهما أرزاقهم ، وذكرهم أنه جعل بالماء حياتهم ، وجعل لهم الأرض بحيث تقر بأهلها وتسكن بهم ، وجعلها مهادا لهم وفراشا بالجبال حتى قدروا على المقام بها والقرار ، ثم قال : إنه جعل فيها فجاجا وسبلا ، ليصلوا إلى حوائجهم وشهواتهم ومنافعهم التي جعلت لهم في البلاد النائية ، وذكرهم نعمه أيضا في حفظ السماء عن أن تسقط عليهم على ما أخبر أنه يمسكها هو بقوله : (إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا) [فاطر : ٤١] ، وذكرهم أيضا نعمه فيما جعل لهم من الليل والنهار وفي الشمس والقمر من المنافع ؛ يستأدى بذلك كله الشكر على ما أنعم عليهم.
أو أن يذكرهم بهذا قدرته وسلطانه : أن من قدر على فتق السماء من الأرض ، وجعل حياة كل شيء من الماء ، وإمساك السماء وحفظها عن أن تسقط بلا عمد ، وما ذكر من خلق الليل والنهار ، وقطع الشمس والقمر بيوم واحد مسيرة خمسمائة عام ـ أن من قدر على كل ما ذكر لقادر على بعثهم وإحيائهم بعد الموت وبعد ما صاروا ترابا.
أو أن يذكرهم غناه بذاته وملكه : أن من كان هذا سبيله فأنى تقع له الحاجة إلى اتخاذ الولد أو الشريك أو الصاحبة ردّا على ما قالوا : (اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [البقرة : ١١٦] و (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً) [الأنبياء : ٢٤] ونحوه ، فبين فساد ذلك كله وبطلانه حيث قال :