على أحوال على أن أنفسهم كذلك كانت دخل كل منهم بجوهرهم في ذلك التدبير ؛
ليعلموا أن الذي دبرهم على ذلك دبر الكل ، [فيزول عنهم شبهة أن الكون] بغير الرب الذي ليس كمثله شيء ، فيزول عنهم به عذر
الغفلة وعلاقة الشبهة بكفر الوالدين من حيث حق التبعية ، أو سفه التقليد بما يعلم
خروج الجميع من التدبير ، ورجوع التدبير إلى غير ؛ ليكون موضع الاستدلال بما
أمرهم هو ودعاهم إليه ، لا بما أمرهم به الآباء والأمهات.
ثم القول ببلى
يكون نطقا ، ويكون خلقة ، ويكون جواب الفطرة بحق التأمل ، فالنطق أنه لا يسأل أحد
قبل التلقين إلا وهو يقول بالرب والخالق ؛ وعلى ذلك قوله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ
السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [لقمان : ٢٥]. والخلقة بما كان من حاجته إلى مقيم وإلى مدبر على شركة كل في
ذلك إقرار له بالربوبية ، وذلك معنى نفي التفاوت عن خلقه وفطرته بما يقلبه عن
أحوال لو تأمّل الخلائق إدراك كل حال منها ووجه التنقل وقدر التغير في كل حال لما
تهيأ لهم ؛ ليعلم أن في الفطرة شهادة بالتوحيد ، وهذا معنى ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «كل مولود يولد على الفطرة» أي : على حال لو تركت العقول والفكر فيها لشهدت
بالتوحيد ، وذلك [معنى] قوله : (بَلى) لا أن ثم قول لسان ؛ بل نطق حال ؛ كما قال الحكيم : كل صامت ناطق ؛ لأن صمته دليل تدبير آخر ، فهو ناطق
بالبيان عن الواحد العزيز ، ولا قوة إلا بالله.
وقد يحتمل
الإشهاد أن جعلهم شهداء على أنفسهم بالعبودة لله ، وأنه ربهم والمالك عليهم ،
والقول ب «بلى» بما يلزم ذلك بالتأمل ؛ فكأنه قال ، والله أعلم.
وفي الآية
دلالة إثبات خلق الله فعل الخلق ، وقد أخبر الله أنه أخذ ذلك ، والله أعلم.
فإن قيل : على
ما ذا يخرج تأويل السلف؟
قيل : لعلهم
وجدوا فيه خبرا ظنوا أن الآية تخرج عليه ، فأولوها على ذلك ، فإذا أريد
__________________