عناد ومكابرة ؛ إذ قد اعتقدوا العناد ورد الحجج ، فكلما [ازداد لهم الحجة](١) ازداد لهم عنادا وكفرا.
وقال أبو بكر الأصم : إنما أضيف الزيادة إليها ؛ لأنها كانت سبب الزيادة ، وقد تضاف الأشياء إلى أسبابها كما تضاف إلى حقيقة الأفعال ، ولكن [لا](٢) يحتمل أن تكون السورة التي نزلت سببا لزيادة الكفر ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ).
قيل (٣) : يبتلون بالجهاد والغزو فيتخلفون عنه ، فيظهر بذلك نفاقهم وكفرهم.
وقيل (٤) : يبتلون بالشدة والجوع فيظهر أيضا بذلك نفاقهم ؛ كقوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ) [الحج : ١١].
وقيل : يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ؛ وذلك أنهم كانوا إذا خلوا تكلموا بالكفر فيما بينهم ، ثم إذا أتوا النبي صلىاللهعليهوسلم أخبرهم بما تكلموا به في الخلوة فيفتضحون بذلك ، فذلك افتتانه إياهم وابتلاؤه لهم ، كان يظهر بما ذكر نفاقهم : مرة في الجهاد في سبيل الله ، ومرة بالشدة والخوف ، ومرة بما يطلع الله نبيه بما يضمرون ويتكلمون به [في الخلاء](٥).
وتحتمل هذه الآية الوجوه الثلاثة : الجهاد معه ، والابتلاء بالشدائد ، والإفزاع.
وتحتمل إظهار الأسرار التي أسروا في أنفسهم والافتضاح مما أخفوا ، لكن لو كان هذا فذلك مما يكثر منهم ، أعني : كتمان النفاق وإسرار الخلاف لهم ، لكن ذكر المرة والمرتين يرجع [إلى](٦) الافتضاح والإظهار ، فذلك يحتمل أن يكون في العام مرة أو مرتين.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ لا يَتُوبُونَ) : عن نفاقهم.
(وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) : بما ابتلوا من الافتضاح وظهور النفاق منهم ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَإِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ هَلْ يَراكُمْ مِنْ
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) أخرجه ابن جرير (٦ / ٥٢٠) (١٧٥٠٨) عن قتادة (١٧٥٠٩) عن الحسن البصري ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٢٣) وعزاه لابن أبي حاتم عن الحسن.
ـ ولابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن قتادة.
(٤) أخرجه ابن جرير (٦ / ٥٢٠) (١٧٥٠٤ ، ١٧٥٠٥ ، ١٧٥٠٧) عن مجاهد.
وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٢٣) وزاد نسبته لابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.