وقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ ...) :
قال بعضهم : نزلت الآية في ثعلبة بن حاطب ، سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يدعو الله ليرزقه مالا ، وقال : (لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ)(١).
ومنهم من قال : إنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة ، أنه كان له أموال في الشام ، فقال : لئن آتاني تلك الأموال لأصدقن وأكن من الصالحين ، فقد آتاه الله تلك الأموال ، فبخل ومنع ما وعد.
ومنهم من قال : نزلت في المنافقين جملة ، ولكن ليست في شأن واحد منصوص مشار إليه ، ولكن في المنافقين جملة ، وهكذا كانت عادتهم أنهم إذا وعدوا شيئا أخلفوا ولم يوفوا الوعد (٢).
ثم يحتمل قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) أنه كان منافقا وقت ما وعد الله ، ووعد الله لئن أتاه من فضله ليصدقن. ويحتمل أنه لم يكن منافقا في ذلك الوقت ، لكنه صار بما بخل وكذب واعتقد الخلاف واستحل الخلف لما وعد ـ منافقا ، فإن كان إنما صار منافقا بما بخل واستحل الخلاف له والمنع ؛ فيكون قوله : (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ) أي : أعقبهم الدوام على النفاق إلى يوم القيامة ببخلهم ومنعهم ما وعدوا ؛ فيكون هذا كقوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ ...) الآية.
وفي قوله : (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ) إلى قوله : (بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ) دلالة أن النذور يلزم أهلها الوفاء بها ، ويؤاخذون بها إن تركوا الوفاء ، ويكفرون إن استحلوا نقض ما عاهدوا.
وقوله : (وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) قال بعضهم : من المؤمنين ، فهو على تأويل من قال :
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٧٠٠٢) والحسن بن سفيان وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والعسكري في الأمثال والطبراني وابن مندة وأبو نعيم في معرفة الصحابة وابن مردويه والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن أبي أمامة كما في الدر المنثور للسيوطي (٣ / ٤٦٧).
وأخرجه الطبري (١٧٠٠١) وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس كما في الدر أيضا (٣ / ٤٦٨).
(٢) الجملة الأخيرة في هذا الكلام ورد في معناها أحاديث صحيحة منها : حديث عبد الله بن عمرو أخرجه البخاري (٣٤) ومسلم (١٠٦ / ٥٨) ولفظه : «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا اؤتمن خان ، وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر».
وحديث أبي هريرة أخرجه البخاري (٣٣) ومسلم (١٠٧ / ٥٩) ولفظه : «آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان».