(وَأُولئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ).
في نقض العهد ، والاعتداء : هو المجاوزة عن الحد الذي جعل لهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ).
قال بعض أهل التأويل : انظروا إلى كرم ربكم وجوده ، قوم قد افتروا على الله كذبا ، وكذبوا رسول الله ، وهموا بقتله وإخراجه من بين أظهرهم ، وطعنوا في دينهم ، وعملوا كل بلية من نصب الحروب والقتال فيما بينهم ، ثم إنه وعدهم التوبة والمغفرة والتجاوز عما كان منهم بقوله : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨] وجعل فيما بينهم الأخوة والمودة بقوله : (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) ، وقال : (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) [الروم : ٢١] وقال : (إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً) [آل عمران : ١٠٣] وغير ذلك من الآيات ، وفيه أن من كان له بمكان آخر ذنب أو جفاء ، فإذا رجع عن ذلك وتاب لزمه أن يتجاوز عنه وألا يذكر بعد ذلك ما كان منه من الذنب ؛ على ما جعل الله فيما بين هؤلاء الأخوة والمودة إذا تابوا ، وقال : (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) وقد كان منهم ما كان ، ومن حق الأخوة ألا يذكر ما كان منهم من المساوئ.
ثم قوله : (فَإِنْ تابُوا) من الشرك وما كان منهم.
وقوله : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ) وجهين :
الأول : يحتمل : الصلاة المعروفة والزكاة المعروفة ، زكاة المال ، وهو ما ذكرنا فيما تقدم من الإقرار بهما والاعتقاد والقبول لذلك دون فعلهما ، وهو في الكبراء والقادة الذين كانوا يأنفون عن الخضوع لأحد ، ولا يؤتون الزكاة ، ولا يتصدقون ؛ لما ظنوا أنهم يخلدون في الدنيا ؛ إشفاقا على أنفسهم.
والثاني : يحتمل أن يكون المراد من الصلاة : الخضوع والخشوع ، لا الصلاة المعروفة ، والمراد من الزكاة زكاة النفس وإصلاحها ، فإن كان هذا فهو لازم في الأوقات كلها ، ما من وقت إلا وله على كل أحد الخضوع [له](١) والخشوع له ، ويزكي نفسه ويصلحها ، وهو كقوله : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) [الشمس : ٩].
وقوله : (وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : نبين الآيات لقوم يعلمون ينتفعون بعلمهم.
__________________
(١) سقط في أ.