قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي [ ج ٥ ]

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي [ ج ٥ ]

259/519
*

ومخالفتكم إياه في الخروج وإرادتكم العير.

أو أن يقال : لو لا أن من حكم الله ألا يعذب أحدا ولا يؤاخذه في الخطأ في العمل بالاجتهاد (١) وإلا لمسكم (فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) ، ويكون قوله : (أَخَذْتُمْ) أي :

__________________

(١) هنا لا بد أن نتعرض إلى بيان محل الاجتهاد ، فنقول : كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي هو محل الاجتهاد ؛ فلا يجوز الاجتهاد فيما ثبت بدليل قطعي كوجوب الصلوات الخمس والزكوات وباقي أركان الإسلام ، وما اتفقت عليه جليات الشرع التي تثبت بالأدلة القطعية.

فالاجتهاد المقصود هنا هو الاجتهاد في الظنيات.

والاجتهاد بالظنيات عند الجمهور حكمه غلبة الظن بأن ما وصل إليه المجتهد باجتهاد هو الحكم الصواب ويحتمل أن يكون خطأ عند أهل السنة ، والمراد بالصواب : الموافقة لما عند الله في الواقع ونفس الأمر.

والمراد بالخطإ : المخالفة لما عند الله في الواقع ونفس الأمر.

وأصحاب هذا الرأي يطلق عليهم اسم : المخطئة ، ورأيهم هو المختار عند الحنفية وعامة الشافعية.

وعامة المعتزلة يقولون : كل مجتهد مصيب.

وهذا الخلاف بين أهل السنة وبين عامة المعتزلة ناشئ عن الخلاف في أن لله تعالى حكما معينا قبل الاجتهاد أولا.

فعند أهل السنة لكل حادثة حكم معين عند الله ـ تعالى ـ عليه دليل ظني : إن وجده المجتهد أصاب وله أجران وإن أخطأ فله أجر الاجتهاد فقط ، فإذا اجتهدوا في حادثة وكان لكل مجتهد حكم فالحكم عند الله تعالى واحد وغيره الخطأ.

وقالت المعتزلة : لا حكم قبل الاجتهاد بل الحكم تابع لظن المجتهد حتى كان الحكم عند الله تعالى في حق كل واحد مجتهد هو وكل المجتهدات صوابا ، فكأن الشرع يقول : كل ما وصل إليه المجتهد باجتهاده فهو الحكم في حقه ، وأصحاب هذا الرأي يطلق عليهم اسم : المصوّبة.

وقد استدل القائلون بأن الحق واحد ـ وهم الأئمة الأربعة وعامة الأصوليين من أهل السنة ـ بأدلة منها : أما الكتاب فقوله تعالى : (وَداوُدَ وَسُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ وَكُلًّا آتَيْنا حُكْماً وَعِلْماً) [الأنبياء : ٧٨ ـ ٧٩].

وجه الدلالة : أنه تعالى خص سليمان بالفهم في قوله : «ففهمناها سليمان» ، ومنّ عليه ، وكمال المنة في إصابة الحق ، فلو كانا مصيبين لما كان لتخصيص سليمان بالفهم فائدة ، ولا مانع من القول بمفهوم المخالفة في هذا الموضع عند الحنفية ، وواضح أنهما حكما بالاجتهاد ؛ لأنه لو كان حكم داود بالنص لما وسع سليمان مخالفته ، ولما جاز رجوع داود عنه.

وأما السنة فهي الأحاديث الدالة على ترديد الاجتهاد بين الصواب والخطأ وهي كثيرة ، منها : ما روي أنه ـ عليه‌السلام ـ قال : «جعل الله للمصيب أجرين وللمخطئ أجرا».

وقال ابن حزم الظاهري : أقسام المجتهدين بقسمة العقل الضرورية لا تخرج عن ثلاثة أقسام عندنا :

مصيب نقطع على صوابه ، ومخطئ نقطع على خطئه ، عند الله تعالى ، أو متوقف فيه لا ندري أمصيب عند الله تعالى أم مخطئ. وإن أيقنا أنه في أحد الخيرين عند الله تعالى بلا شك ؛ لأن الله تعالى لا يشك بل عنده علم حقيقة كل شيء لكنا نقول : مصيب عندنا ، ومخطئ عندنا ، أو نتوقف فلا نقول : إنه عندنا مخطئ ولا مصيب وإنما هذا فيما لم يقم على حكمه عندنا دليل أصلا ، وما كان ـ