وقوله ـ عزوجل ـ : (رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) [الأعراف : ٢٣].
حيث أوقعناها (١) في الشدائد وكد العيش.
والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا) ، قال الحسن (٢) هن الكلمات التي تلقاها آدم (٣) من ربه ؛ بقوله (٤) : (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ) [البقرة : ٣٧] ، قال آدم ما
__________________
(١) في ب : أوقعنا.
(٢) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤٥٤) (١٤٤١٧) عن الضحاك ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٤٠) وعزاه لعبد بن حميد عن الحسن والضحاك.
(٣) أبو البشر ، ويقال : أبو محمد ، خلقه الله ـ عزوجل ـ بيده ، وأسجد له ملائكته ، وأسكنه جنّته ، واصطفاه وكرم ذريته ، وعلّمه جميع الأسماء ، وجعله أول الأنبياء ، وعلّمه ما لم يعلّم الملائكة المقربين ، وجعل من نسله الأنبياء والمرسلين والأولياء والصديقين ؛ قال الله تعالى : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً ...) [آل عمران : ٣٣] الآية ، وقال تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : ٣١] الآية.
وثبت في صحيح مسلم ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله ـ تعالى ـ خلقه يوم الجمعة» واشتهر في كتب الحديث والتواريخ أنه عاش ألف سنة.
وروينا في «تاريخ دمشق» في حديث طويل ، عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «أنا أشبه النّاس بأبي آدم ـ عليهالسلام ـ وكان أبي إبراهيم صلىاللهعليهوسلم أشبه النّاس بي خلقا وخلقا».
فأما اشتقاق اسمه : فقال الإمام أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي : قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : سمي آدم ؛ لأنه خلق من أديم الأرض ، وقال : وهكذا قاله أهل اللغة فيما حكاه الزّجّاج.
قال الزجاج : قال أهل اللغة : آدم مشتقّ من أديم الأرض ؛ لأنه خلق من تراب ، وأديم الأرض وجهها.
قال : وقال النضر بن شميل : سمي آدم ؛ لبياضه ، وهذا كله تصريح منهم بأن آدم اسم عربي مشتقّ ؛ وإلا فالعجمي لا اشتقاق له.
قال أبو البقاء : آدم وزنه أفعل ، والألف فيه مبدلة من همزة ، وهي فاء الفعل ؛ لأنه مشتق من : أديم الأرض ، أو من الأدمة.
قال : ولا يجوز أن يكون أصله فاعلا ، بفتح العين ؛ إذ لو كان كذلك لانصرف ؛ كعالم وخاتم ، والتعريف وحده لا يمنع الصّرف ، وليس هو بعجميّ ، هذا كلام أبي البقاء.
وقال الإمام أبو منصور موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر الجواليقي في كتابه «المعرب» : أسماء الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ كلها أعجمية ، نحو : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق وإلياس وإدريس وأيوب ، إلا أربعة : آدم وصالحا وشعيبا ومحمدا ، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال أبو إسحاق الزّجّاج : اختلفت الآيات فيما بدئ به خلق آدم : ففي موضع خلقه الله ـ تعالى ـ من تراب ، وفي موضع من طين لازب ، وفي موضع من حمأ مسنون ، وفي موضع من صلصال. قال : وهذه الألفاظ راجعة إلى أصل واحد ، وهو التراب الذي هو أصل الطين ، فأعلمنا الله ـ عزوجل ـ أنه خلقه من تراب جعل طينا ، ثم انتقل فصار كالحمإ المسنون ، ثم انتقل فصار صلصالا كالفخّار. ولقد أحسن الزجاج ، رحمهالله.
قال الإمام أبو إسحاق الثعلبي في قول الله ـ عزوجل ـ إخبارا أن إبليس قال : (خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)[الأعراف : ١٢] ـ : قال الحكماء : أخطأ عدوّ الله في تفضيله النّار على الطين ؛ لأن ـ