ومثل هذا السؤال لهم بما أخبر في آية أخرى : أنه يسألهم ؛ كقوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف : ٦] يسأل الرسل عن تبليغ الرسالة إلى قومهم ، ويسأل قومهم عن إجابتهم لهم ؛ ليقطع احتجاجهم ، وإن لم يكن لهم (١) الحجاج (٢).
(إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ)(٣).
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ).
أما نعمه عليه ما ذكر على إثره : (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ...) إلى قوله : (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) [مريم : ٣٠ ، ٣١] ، شهد في حال طفولته بوحدانية الله وربوبيته وإخلاص عبوديته له ، وذلك من أعظم نعم الله عليه وأجل مننه ، وما ذكره (٤) أيضا :
(وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي ...) الآية.
إلى آخر ما ذكر من إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، وكف بني إسرائيل عنه عند مجىء الآيات ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] ففيه أعظم النعم عليه ، وما ذكر ـ أيضا ـ في بعض القصة ـ إن ثبت ـ أن عيسى لما دفع إلى الكتّاب جعل المعلم يقول له : باسم ، فيقول هو : باسم الله ، وإذا قال المعلم : باسم الله ، فيقول هو : الرحمن ، وإذا قال (٥) : الرحمن ، فيقول هو : الرحيم ، فيقول المعلم :
__________________
(١) في أ : أمر.
(٢) أخرجه الطبري في تفسيره (٥ / ٤٣٠) في تأويل قوله ـ تعالى ـ : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ)[الأعراف : ٦].
(٣) قال القاسمي (٦ / ٤٢٧) : إن قيل : إن السياق في تعديد نعمه ـ تعالى ـ على عيسى ـ عليهالسلام ـ وقول الكفار في حقه (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) [هود : ٧] ، ليس من النعم بحسب الظاهر. فما السر في ذكره؟ فالجواب : إن من الأمثال المشهورة : إن كل ذي نعمة محسود. فطعن اليهود فيه بهذا الكلام يدل على أن نعم الله ـ تعالى ـ في حقه كانت عظيمة. فحسن ذكره عند تعديد النعم ، للوجه الذي ذكرناه. أفاده الرازي.
(٤) في ب : ذكر.
(٥) في ب : قال هو.