قائمة الکتاب

إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي [ ج ٣ ]

تأويلات أهل السنّة تفسير الماتريدي [ ج ٣ ]

512/662
*

بيان من يتولى القطع ، فالمراد منه : رجع إلى الولاة ؛ فهذا كله يدل على أن ليس في مخرج عموم اللفظ دليل عموم المراد ، ولا في مخرج خصوص اللفظ دليل خصوصه ؛ بل يعرف ذلك كله بدليل : يقوم العموم بدليل العموم ، والخصوص بدليل الخصوص ؛ فهذا ينقض قول من يقول : إنه على العموم حتى يقوم دليل الخصوص ، والله أعلم.

فإن قيل لنا : أيش الحكمة في إقامة الحد في السرقة على ما به تكتسب السرقة وهو اليد ، ولم يقم الحد في سائر الحدود فيما به كان اكتسابها ؛ من نحو القصاص والزنا وغيره ، أنه إذا قتل آخر لم تقطع يده وبها كان اكتساب القتل ؛ وكذلك الزنا لم يقم الحد على ما به كان الزنا ، بل أقيم على غير ما به كان ذلك الفعل ، وفي السرقة أقيم على ما به كان ذلك خاصة؟!

قيل ـ والله أعلم ـ لخلتين : إما لقصور في الاستيفاء من الحق ، أو لخوف الزيادة في الاستيفاء على الحق ؛ لأنه إذا قتل : لو قطعت يده بقيت له النفس ، وقد تلفت نفس الآخر ، فكان في ذلك قصور في استيفاء الحق.

وفي الزنا : لو أقيم به على الذي به كان اكتساب الفعل لخيف تلف نفسه به ؛ فكان في ذلك استيفاء الزيادة على الحق.

وأما السرقة : فإنه أمكن استيفاء الحق مما كان به اكتسابها ، على غير قصور يقع في الاستيفاء ، ولا خوف الزيادة في الاستيفاء ؛ لذلك كان ما ذكر ، والله أعلم.

فإن قيل : ما الحكمة في قطع يد قيمتها ألوف بسرقة عشرة ، وذلك مما لا يماثله في الظاهر ، وقد أخبر ألا يجزي إلا مثلها ، كيف جزي هذا بأضعاف ذلك؟ قيل : لهذا جوابان :

أحدهما : أن جزاء الدنيا محنة يمتحن بها المرء ، ولله أن يمتحن عباده بأنواع المحن ابتداء على غير جعل ذلك جزاء لكسب يكتسب ، فمن له الامتحان بأنواع المحن على غير جعلها جزاء لشيء ـ كان له الامتحان بأن يجعل ما يساوي ألوفا جزاء فلس أو حبة ، وبالله العصمة والنجاة.

والثاني : أن ليس القطع في السرقة جزاء ما أخذ من المال ؛ ولكنه جزاء ما هتك من

__________________

 ـ علماؤنا : يقطع وقال الشافعي : لا يقطع ؛ لأنه سرق من غير مالك ، ومن غير حرز. وقال علماؤنا : حرمة المالك عليه باقية لم تنقطع عنه ، ويد السارق كلا يد ، كالغاصب لو سرق منه المال المغصوب قطع ، فإن قيل : اجعلوا حرزه كلا حرز ؛ قلنا : الحرز قائم والملك قائم ولم يبطل الملك فيه فيقولوا لنا أبطلوا الحرز.