والثاني : أن يحتمل معنى ذلك في الغصب وأشباهه ؛ فعلى الغاصب أن يرده قائما أو تالفا ، ولا يدخل في عموم الخبر العارية ؛ ألا ترى أن الوديعة لم تدخل فيها ، وإن كان فيه أخذ.
واحتجوا [ـ أيضا ـ](١) بحديث صفوان : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم استعار من صفوان يوم حنين درعا ، فقال : أغصب يا محمد؟ فقال : «بل عاريّة مضمونة» (٢).
وروي في خبر آخر : أن صفوان هرب من رسول الله صلىاللهعليهوسلم يريد حنينا ، فقال : «يا صفوان ، هل عندك من سلاح؟» قال : عارية أو غصبا؟ قال : «بل عاريّة» فأعاره ، ولم يذكر فيه الضمان ، فهو عندنا ـ إن ثبت خبر صفوان ـ : مضمونة الرد على المستعير ، [و] رد العارية ليس كالوديعة (٣) ؛ لأن الوديعة ما لم يطلب صاحبها لم ترد.
وقد روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم ما يؤيد قولنا ، وهو قوله : «العاريّة مؤدّاة» (٤).
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) أخرجه أبو داود (٢ / ٣١٨) كتاب البيوع : باب في تضمين العارية (٣٥٦٢ ، ٣٥٦٣) ، وأحمد في المسند (٣ / ٤٠١) و (٦ / ٤٥٦) ، والحاكم في المستدرك (٢ / ٤٧) في البيوع : باب أد الأمانة ، والبيهقي في السنن (٦ / ٨٩) في العارية : باب العارية مضمونة ؛ والدارقطني في السنن (٣ / ٤٩) عن أمية بن صفوان بن أمية عن أبيه ، مرفوعا.
(٣) الوديعة : لغة : فعيلة بمعنى مفعولة ، من الودع ، وهو : التّرك.
قال ابن القطاع : ودعت الشى ودعا : تركته.
وابن السّكّيت ، وجماعة غيره ، ينكرون المصدر ، والماضي من «يدع» ، وقد ثبت في «صحيح مسلم» : «لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات» ، وفي «سنن النسائي» من كلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اتركوا التّرك ما تركوكم ، ودعوا الحبشة ما ودعوكم» ؛ فكأنها سميت وديعة ، أي : متروكة عند المودع. وأودعتك الشيء : جعلته عندك وديعة ، وقبلته منك وديعة ؛ فهو من الأضداد.
بنظر : الصحاح : (٣ / ١٢٩٦) ، المغرب : (٤٧٩) ، المطلع : (٢٧٩).
واصطلاحا :
عرفها الحنفية بأنها : توكيل لحفظ مال غيره ؛ تبرعا بغير تصرف.
وعرفها الشافعية بأنها : العقد المقتضى للاستحفاظ ، أو العين المستحقة به حقيقة فيها ، بتعريف آخر : توكيل في حفظ مملوك ، أو محترم مختصّ على وجه مخصوص.
وعرّفها المالكية بأنها : مال وكل على مجرّد حفظه.
وعرفها الحنابلة بأنها : اسم للمال المودع المدفوع إلى من يحفظه بلا عوض.
ينظر : الإنصاف (٦ / ٣١٦) ، الشرقاوي على التحرير (٢ / ٩٦) ، مغني المحتاج (٣ / ٧٩) ، حاشية الدسوقي (٣ / ٤١٩) ، كشاف القناع (٤ / ١٦٦). مجمع الأنهر (٢ / ٣٣٧) ، الفواكه الدواني (٢ / ٢٣٧).
(٤) أخرجه أبو داود (٢ / ٣١٩) كتاب البيوع : باب تضمين العارية (٣٥٦٥) ، والترمذي في سننه (٢ / ٥٤٤) باب ما جاء في العارية مؤداة (١٢٦٥) ، وابن ماجه (٤ / ٦٣) كتاب الصدقات باب العارية (٢٣٩٨) ، وأحمد في مسنده (٥ / ٢٦٧).