وقوله ـ عزوجل ـ : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ)(١) يعني : محمدا (٢) صلىاللهعليهوسلم (عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) يعني : من كثرة النساء ، لكن ذلك ليس بحسد ، إنما هو طعن طعنوه ، وعيب عابوه ؛ لأن الحسد هو أن [يرى لآخر](٣) شيئا ليس له ؛ فيتمنى أن يكون ذلك له دونه ، وقد كان لهم نساء ، لكنه إن كان ذلك فهو طعن طعنوه ، وعيب عابوه على كثرة النساء ، ويقولون : لو كان نبيّا لشغلته النبوة عن النساء ، ويقولون : يحرم على الناس أكثر من أربع ، ويتزوج تسعا وعشرا ؛ فأنزل الله ـ عزوجل ـ ردّا عليهم : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ ...) الآية [الرعد : ٣٨] ، وكان لداود تسع وتسعون امرأة ، وما قيل ـ أيضا ـ إن لسليمان ـ عليهالسلام ـ ثلاثمائة سرية وسبعمائة حرائر.
إن ثبت ذلك : فكثرة النساء له لا تمنع ثبوت الرسالة والنبوة ، وإنما تمنع كثرة النساء لأحد شيئين :
إما [لخوف الجور](٤) ، وإما للعجز عن القيام بإيفاء حقهن.
فالأنبياء ـ عليهمالسلام ـ يؤمن ناحيتهم الجور ، وكانوا يقومون بإيفاء حقهن مع ما كان قيام رسول الله صلىاللهعليهوسلم خاصة لتسع أو لعشر من النساء من آيات النبوة ؛ لأنه كان معروفا بالعبادة لله ليلا ، وبالصيام له نهارا ، وتحمل الجوع وأنواع المشقة تباعا ، ومعلوم في الخلق أن من كان هذا سبيله لم يقدر على وفاء حق امرأة واحدة ؛ فضلا أن يقوم لإيفاء حق العشر وأكثر ؛ فدل أنه بالله قدر على ذلك ، وعلى ذلك قيام داود ـ عليهالسلام ـ لمائة من النساء ، وقيام سليمان ـ عليهالسلام ـ لألف منهن ، فذلك من آيات النبوة ؛ لما ذكرنا : أنه ليس في وسع أحد سواهم القيام بذلك.
__________________
(١) قال القاسمي في محاسن التأويل (٥ / ٢٣٩) : قال الرازي : إن الحسد لا يحصل إلا عند الفضيلة ، فكلما كانت فضيلة الإنسان أتم وأكمل كان حسد الحاسدين عليه أعظم ، ومعلوم أن النبوة أعظم المناصب في الدين ، ثم إنه تعالى أعطاها لمحمد صلىاللهعليهوسلم ، وضم إليها أنه جعله كل يوم أقوى دولة وأعظم شوكة وأكثر أنصارا وأعوانا ، فلما كانت هذه النعم سببا لحسد هؤلاء ، بيّن ـ تعالى ـ ما يدفع ذلك فقال : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً)[النّساء : ٥٤] ، والمعنى : أنه حصل في أولاد إبراهيم جماعة كثيرون جمعوا بين النبوة والملك ، وأنتم لا تتعجبون من ذلك ، ولا تحسدونهم ، فلم تتعجبون من حال محمد صلىاللهعليهوسلم ولم تحسدونه؟
(٢) أخرجه ابن جرير (٨ / ٤٧٨) (٩٨٢٣) عن ابن عباس ، و (٩٨٢٤) عن السدي ، و (٩٨٢٥) عن الضحاك ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٣٠١) وزاده في نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس.
(٣) في أ : يكون الآخر.
(٤) في أ : الخوف من الجور.