فلا تبخلوا به. كذا قال الحسن وغيره. وفيه الترغيب إلى الإنفاق في سبيل الخير قبل أن ينتقل عنهم ويصير إلى غيرهم. والظاهر أن معنى الآية الترغيب في الإنفاق في الخير ، وما يرضاه الله على العموم ، وقيل : هو خاص بالزكاة المفروضة ، ولا وجه لهذا التخصيص. ثم ذكر سبحانه ثواب من أنفق في سبيل الله ، فقال : (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) أي : الذين جمعوا بين الإيمان بالله ورسوله ، وبين الإنفاق في سبيل الله لهم أجر كبير ، وهو الجنة (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) هذا الاستفهام للتوبيخ والتقريع ، أي : أيّ عذر لكم ، وأيّ مانع من الإيمان ، وقد أزيحت عنكم العلل؟ و «ما» مبتدأ و «لكم» خبره ولا تؤمنون في محل نصب على الحال من الضمير في «لكم» ، والعامل «ما» فيه من معنى الاستقرار ، وقيل : المعنى : أيّ شيء لكم من الثواب في الآخرة إذا لم تؤمنوا؟ وجملة : (وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ) في محل نصب على الحال من ضمير لا تؤمنون على التداخل ، و «لتؤمنوا» متعلق بيدعوكم ، أي : يدعوكم للإيمان ، والمعنى : أيّ عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه وينبّهكم عليه؟ وجملة : (وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) في محل نصب على الحال من فاعل يدعوكم على التداخل أيضا ، أي : والحال أن قد أخذ الله ميثاقكم حين أخرجكم من ظهر أبيكم آدم ، أو بما نصب لكم من الأدلة الدالة على التوحيد وجوب الإيمان. قرأ الجمهور : «وقد أخذ» مبنيا للفاعل ، وهو الله سبحانه لتقدّم ذكره. وقرأ أبو عمرو على البناء للمفعول (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) بما أخذ عليكم من الميثاق ، أو بالحجج والدلائل ، أو إن كنتم مؤمنين بسبب من الأسباب ، فهذا من أعظم أسبابه وأوضح موجباته (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ) أي : واضحات ظاهرات ، وهي الآيات القرآنية ، وقيل : المعجزات والقرآن أعظمها (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي : ليخرجكم الله بتلك الآيات من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان ، أو ليخرجكم الرسول بتلك الآيات ، أو بالدعوة (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي : لكثير الرأفة والرحمة بليغهما ، حيث أنزل كتبه وبعث رسله لهداية عباده ، فلا رأفة ولا رحمة أبلغ من هذه ، والاستفهام في قوله : (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) للتقريع والتوبيخ ، والكلام في إعراب هذا كالكلام في إعراب قوله : (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) وفي هذه الآية دليل على أن الإنفاق المأمور به في قوله : (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) هو الإنفاق في سبيل كما بيّنّا ذلك ، والمعنى : أيّ عذر لكم وأيّ شيء يمنعكم من الإنفاق في ذلك الوجه؟ والأصل : في أن لا تنفقوا ، وقيل : إنّ أن زائدة ، وجملة (وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) في محل نصب على الحال من فاعل «ألا تنفقوا» أو من مفعوله ، والمعنى : أيّ شيء يمنعكم من الإنفاق في ذلك الوجه؟ والحال أن كلّ ما في السّماوات والأرض راجع إلى الله سبحانه بانقراض العالم ؛ كرجوع الميراث إلى الوارث ، ولا يبقى لهم منه شيء ، وهذا أدخل في التوبيخ وأكمل في التقريع ، فإن كون تلك الأموال تخرج عن أهلها ، وتصير لله سبحانه ، ولا يبقى أحد من مالكيها أقوى في إيجاب الإنفاق عليهم من كونها لله في الحقيقة ، وهم خلفاؤه في التصرّف فيها. ثم بيّن سبحانه فضل من سبق بالإنفاق في سبيل الله فقال : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ) قيل : المراد بالفتح فتح مكة ، وبه قال أكثر المفسرين. وقال الشعبي والزهري : فتح الحديبية. قال قتادة : كان قتالان أحدهما أفضل