سعيد بن جبير : كان أحدهم يعبد الحجر ، فإذا رأى ما هو أحسن منه رمى به وعبد الآخر. (وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) أي : على علم قد علمه ، وقيل : المعنى : أضلّه عن الثواب على علم منه بأنه لا يستحقه. وقال مقاتل : على علم منه أنه ضال لأنه يعلم أن الصنم لا ينفع ولا يضرّ. قال الزجاج : على سوء في علمه أنه ضال قبل أن يخلقه ، ومحل «على علم» النصب على الحال من الفاعل أو المفعول : (وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ) أي : طبع على سمعه حتى لا يسمع الوعظ ، وطبع على قلبه حتى لا يفقه الهدى (وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) أي : غطاء حتى لا يبصر الرشد. قرأ الجمهور : «غشاوة» بالألف مع كسر الغين. وقرأ حمزة والكسائي «غشوة» بغير ألف مع فتح الغين ، ومنه قول الشاعر :
لئن كنت ألبستني غشوة |
|
لقد كنت أصفيتك الودّ حينا |
وقرأ ابن مسعود والأعمش كقراءة الجمهور مع فتح الغين ، وهي لغة ربيعة. وقرأ الحسن وعكرمة بضمها ، وهي لغة عكل (فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ) أي : من بعد إضلال الله له (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تذكّر اعتبار حتى تعلموا حقيقة الحال. ثم بيّن سبحانه بعض جهالاتهم وضلالاتهم فقال : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) أي : ما الحياة إلا الحياة الدنيا التي نحن فيها (نَمُوتُ وَنَحْيا) أي : يصيبنا الموت والحياة فيها ، وليس وراء ذلك حياة ، وقيل : نموت نحن ويحيا فيها أولادنا ، وقيل : نكون نطفا ميتة ثم نصير أحياء ، وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، أي : نحيا ونموت ، وكذا قرأ ابن مسعود ، وعلى كل تقدير فمرادهم بهذه المقالة إنكار البعث وتكذيب الآخرة (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) أي : إلا مرور الأيام والليالي. قال مجاهد : يعني السنين والأيام. وقال قتادة : إلا العمر ، والمعنى واحد. وقال قطرب : المعنى وما يهلكنا إلا الموت. وقال عكرمة : وما يهلكنا إلا الله (وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ) أي : ما قالوا هذه المقالة إلا شاكّين غير عالمين بالحقيقة. ثم بيّن كون ذلك صادرا منهم لا عن علم ، فقال : (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) أي : ما هم إلا قوم غاية ما عندهم الظنّ ، فما يتكلمون إلا به ، ولا يستندون إلا إليه (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) أي : إذا تليت آيات القرآن على المشركين حال كونها بينات واضحات ظاهرة المعنى والدلالة على البعث (ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أنا نبعث بعد الموت ، أي : ما كان لهم حجّة ولا متمسك إلا هذا القول الباطل الذي ليس من الحجة في شيء ، وإنما سمّاه حجّة تهكّما بهم. قرأ الجمهور بنصب (حُجَّتَهُمْ) على أنه خبر كان ، واسمها (إِلَّا أَنْ قالُوا) وقرأ زيد بن عليّ وعمرو بن عبيد وعبيد بن عمرو برفع حجتهم على أنها اسم كان ، ثم أمر الله سبحانه رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يردّ عليهم فقال : (قُلِ اللهُ يُحْيِيكُمْ) في الدنيا (ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) عند انقضاء آجالكم (ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) بالبعث والنشور (لا رَيْبَ فِيهِ) أي : في جمعكم ؛ لأن من قدر على ابتداء الخلق قدر على إعادته (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) بذلك ، فلهذا حصل معهم الشكّ في البعث ، وجاءوا في دفعه بما هو أوهن من بيت العنكبوت ، ولو نظروا حقّ النظر لحصلوا على العلم اليقين ، واندفع عنهم الرّيب ، وأراحوا أنفسهم من ورطة الشكّ والحيرة.