الزجاج والمبرد : الجزء هنا البنات ، والجزء عند أهل العربية البنات ، يقال قد أجزأت المرأة : إذا ولدت البنات ، ومنه قول الشاعر :
إن أجزأت حرّة يوما فلا عجب |
|
قد تجزئ المذكار أحيانا |
وقد جعل صاحب الكشاف تفسير الجزء بالبنات من بدع التفسير ، وصرح بأنه مكذوب على العرب. ويجاب عنه بأنه قد رواه الزجاج والمبرد ، وهما إماما اللغة العربية وحافظاها ومن إليهما المنتهى في معرفتها ، ويؤيد تفسير الجزء بالبنات ما سيأتي من قوله : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) وقوله : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ) وقوله : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً) وقيل : المراد بالجزء هنا الملائكة ؛ فإنهم جعلوهم أولادا لله سبحانه قاله مجاهد والحسن. قال الأزهري : ومعنى الآية أنهم جعلوا لله من عباده نصيبا على معنى أنهم جعلوا نصيب الله من الولدان (إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ) أي : ظاهر الكفران مبالغ فيه ، قيل : المراد بالإنسان هنا الكافر ، فإنه الذي يجحد نعم الله عليه جحودا بينا. ثم أنكر عليهم هذا فقال : (أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ) وهذا استفهام تقريع وتوبيخ. وأم هي المنقطعة ، والمعنى : أتخذ ربكم لنفسه البنات (وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ) فجعل لنفسه المفضول من الصنفين ولكم الفاضل منهما ، يقال : أصفيته بكذا ، أي : آثرته به ، وأصفيته الودّ : أخلصته له ، ومثل هذه الآية قوله : (أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى) (١) وقوله : (أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ) وجملة وأصفاكم : معطوفة على اتخذ داخلة معها تحت الإنكار. ثم زاد في تقريعهم وتوبيخهم فقال : (وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً) أي : بما جعله للرحمن سبحانه من كونه جعل لنفسه البنات ، والمعنى : أنه إذا بشر أحدهم بأنها ولدت له بنت اغتمّ لذلك وظهر عليه أثره ، وهو معنى قوله : (ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا) أي : صار وجهه مسودّا بسبب حدوث الأنثى له حيث لم يكن الحادث له ذكرا مكانها (وَهُوَ كَظِيمٌ) أي شديد الحزن كثير الكرب مملوء منه. قال قتادة : حزين. وقال عكرمة : مكروب ، وقيل : ساكت ، وجملة (وَهُوَ كَظِيمٌ) في محل نصب على الحال. ثم زاد في توبيخهم وتقريعهم فقال : (أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ) معنى ينشأ : يربى ، والنشوء : التربية ، والحلية : الزينة ، ومن في محل نصب بتقدير مقدّر معطوف على جعلوا ؛ والمعنى : أو جعلوا له سبحانه من شأنه أن يربى في الزينة وهو عاجز عن أن يقوم بأمور نفسه ، وإذا خوصم لا يقدر على إقامة حجته ، ودفع ما يجادله به خصمه لنقصان عقله وضعف رأيه. قال المبرد : تقدير الآية : أو يجعلون له من ينشأ في الحلية. أي ينبت في الزينة. قرأ الجمهور (يُنَشَّؤُا) بفتح الياء وإسكان النون ، وقرأ ابن عباس ، والضحاك ، وابن وثاب ، وحفص ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف بضم الياء ، وفتح النون ، وتشديد الشين. واختار القراءة الأولى : أبو حاتم ، واختار الثانية : أبو عبيد. قال الهروي : الفعل على القراءة الأولى لازم ، وعلى الثانية متعدّ. والمعنى : يربى ويكبر في الحلية. قال قتادة : قلما تتكلم امرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها. وقال ابن زيد والضحاك : الذي ينشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة (وَجَعَلُوا
__________________
(١). النجم : ٢١ و ٢٢.