إسرائيل فتزوّج امرأة من غيرهم. وقيل : إن سبب فتنته ما ثبت في الحديث الصحيح أنه قال : لأطوفنّ الليلة على تسعين امرأة تأتي كلّ واحدة بفارس يقاتل في سبيل الله ، ولم يقل إن شاء الله. وقيل غير ذلك. ثم بين سبحانه ما عاقبه به فقال : (وَأَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً) انتصاب جسدا على أنه مفعول ألقينا ، وقيل : انتصابه على الحال على تأويله بالمشتق ، أي : ضعيفا أو فارغا ، والأوّل أولى. قال أكثر المفسرين : هذا الجسد الذي ألقاه الله على كرسي سليمان هو شيطان اسمه صخر ، وكان متمرّدا عليه غير داخل في طاعته ، ألقى الله شبه سليمان عليه وما زال يحتال حتى ظفر بخاتم سليمان ، وذلك عند دخول سليمان الكنيف لأنه كان يلقيه إذا دخل الكنيف ، فجاء صخر في صورة سليمان فأخذ الخاتم من امرأة من نساء سليمان ، فقعد على سرير سليمان وأقام أربعين يوما على ملكه وسليمان هارب. وقال مجاهد : إن شيطانا قال له سليمان : كيف تفتنون الناس؟ قال : أرني خاتمك أخبرك ، فلما أعطاه إياه نبذه في البحر ، فذهب ملكه وقعد الشيطان على كرسيه ومنعه الله نساء سليمان فلم يقربهنّ ، وكان سليمان يستطعم فيقول : أتعرفونني أطعموني؟ فيكذبوه حتى أعطته امرأة يوما حوتا فشقّ بطنه فوجد خاتمه في بطنه فرجع إليه ملكه ، وهو معنى قوله : (ثُمَّ أَنابَ) أي : رجع إلى ملكه بعد أربعين يوما. وقيل معنى أناب : رجع إلى الله بالتوبة من ذنبه ، وهذا هو الصواب ، وتكون جملة : (قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي) بدلا من جملة أناب وتفسيرا له ، أي : اغفر لي ما صدر عني من الذنب الذي ابتليتني لأجله. ثم لما قدّم التوبة والاستغفار جعلها وسيلة إلى إجابة طلبته فقال : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي) قال أبو عبيدة : معنى لا ينبغي لأحد من بعدي : لا يكون لأحد من بعدي ، وقيل المعنى : لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني بعد هذه السلبة ، أو لا يصح لأحد من بعدي لعظمته وليس هذا من سؤال نبيّ الله سليمان عليهالسلام للدنيا وملكها والشرف بين أهلها ، بل المراد بسؤاله الملك أن يتمكن به من إنفاذ أحكام الله سبحانه ، والأخذ على يد المتمرّدين من عباده من الجنّ والإنس ، ولو لم يكن من المقتضيات لهذا السؤال منه إلا ما رآه عند قعود الشيطان على كرسيه من الأحكام الشيطانية الجارية في عباد الله (١) ، وجملة (إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) تعليل لما قبلها مما طلبه من مغفرة الله له وهبة الملك الذي لا ينبغي لأحد من بعده : أي فإنك كثير الهبات عظيم الموهبات. ثم ذكر سبحانه إجابته لدعوته وإعطاءه لمسألته فقال : (فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ) أي : ذللناها له وجعلناها منقادة لأمره. ثم بين كيفية التسخير لها بقوله : (تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً) أي : لينة الهبوب ليست بالعاصف ، مأخوذ من الرخاوة ، والمعنى أنها ريح لينة لا تزعزع ولا تعصف مع قوة هبوبها وسرعة جريها ، ولا ينافي هذا قوله في آية أخرى (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ) (٢) لأن المراد أنها في قوة العاصفة ولا تعصف. وقيل : إنها كانت تارة رخاء ، وتارة عاصفة على ما يريده سليمان ويشتهيه ، وهذا أولى في الجمع بين الآيتين (حَيْثُ أَصابَ) أي : حيث أراد. قال الزجاج : إجماع أهل اللغة والمفسرين أن معنى حيث أصاب : حيث أراد ، وحقيقته حيث قعد. وقال الأصمعي وابن الأعرابي : العرب تقول :
__________________
(١). ما جاء في تفسير فتنة سليمان غير الحديث الصحيح إنما هو من الإسرائيليات التي تنسب إلى الأنبياء ما لا يليق بهم ، فلا يعتد بها.
(٢). الأنبياء : ٨١ ..