مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً (١٧))
قوله : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) العامل في الظرف محذوف ، أي : واذكر ، كأنه قال : يا أيها النبي! اتق الله ، واذكر أن الله أخذ ميثاق النبيين. قال قتادة : أخذ الله الميثاق على النبيين خصوصا أن يصدق بعضهم بعضا ، ويتبع بعضهم بعضا. وقال مقاتل : أخذ ميثاقهم على أن يعبدوا الله ، ويدعو إلى عبادة الله ، وأن يصدق بعضهم بعضا ، وأن ينصحوا لقومهم. والميثاق : هو اليمين ، وقيل : هو الإقرار بالله ، والأوّل أولى ، وقد سبق تحقيقه. ثم خصص سبحانه بعض النبيين بالذكر بعد التعميم الشامل لهم ولغيرهم ، فقال : (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) ووجه تخصيصهم بالذكر : الإعلام بأن لهم مزيد شرف وفضل ، لكونهم من أصحاب الشرائع المشهورة ، ومن أولي العزم من الرسل ، وتقديم ذكر نبينا صلىاللهعليهوسلم مع تأخر زمانه فيه من التشريف له ، والتعظيم ما لا يخفى. قال الزجاج : وأخذ الميثاق حيث أخرجوا من صلب آدم كالذر. ثم أكد ما أخذه على النبيين من الميثاق بتكرير ذكره ووصفه بالغلظ فقال : (وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) أي : عهدا شديدا على الوفاء بما حملوا ، وما أخذه الله عليهم ، ويجوز أن يكون قد أخذ الله عليهم الميثاق مرّتين ، فأخذ عليهم في المرّة الأولى مجرّد الميثاق بدون تغليظ ، ولا تشديد ، ثم أخذه عليهم ثانيا : مغلظا مشدّدا ، ومثل هذه الآية قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ، ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) (١) واللام في قوله : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) يجوز أن تكون لام كي ، أي : لكي يسأل الصادقين من النبيين عن صدقهم في تبليغ الرسالة إلى قومهم ، وفي هذا وعيد لغيرهم ، لأنهم إذا كانوا يسألون عن ذلك فكيف غيرهم. وقيل : ليسأل الأنبياء عما أجابهم به قومهم ، كما في قوله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (٢) ويجوز أن تتعلق بمحذوف ، أي : فعل ذلك ليسأل (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) معطوف على ما دل عليه (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ) إذ التقدير : أثاب الصادقين وأعدّ للكافرين ، ويجوز أن يكون معطوفا على أخذنا ، لأن المعنى : أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه ليثيب المؤمنين وأعدّ للكافرين. وقيل : إنه قد حذف من الثاني ما أثبت مقابله في الأوّل ، ومن الأوّل ما أثبت مقابله في الثاني ، والتقدير : ليسأل الصادقين عن صدقهم فأثابهم ، ويسأل الكافرين عما أجابوا به رسلهم ، وأعدّ لهم عذابا أليما. وقيل : إنه معطوف على المقدّر عاملا في ليسأل كما ذكرنا ، ويجوز أن يكون الكلام قد تمّ عند قوله : (لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) وتكون جملة : (وَأَعَدَّ) لهم مستأنفة ؛ لبيان ما أعدّه للكفار (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ) هذا تحقيق لما سبق من الأمر بتقوى الله ؛ بحيث لا يبقى معها خوف من أحد وقوله : (عَلَيْكُمْ) متعلق بالنعمة إن كانت مصدرا أو بمحذوف هو حال ، أي : كائنة عليكم ، ومعنى (إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) حين جاءتكم جنود ، وهو ظرف للنعمة ، أو للمقدّر عاملا في عليكم ، أو المحذوف هو اذكر ، والمراد بالجنود : جنود الأحزاب الذين تحزبوا
__________________
(١). آل عمران : ٨١.
(٢). الأعراف : ٦.