مَشْيِكَ) أي : توسط فيه ، والقصد : ما بين الإسراع والبطء. يقال قصد فلان في مشيته إذا مشى مستويا لا يدبّ دبيب المتماوتين ، ولا يثب وثوب الشياطين. وقد ثبت أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان إذا مشى أسرع ، فلا بدّ أن يحمل القصد هنا على ما جاوز الحدّ في السرعة. وقال مقاتل : معناه لا تختل في مشيتك. وقال عطاء : امش بالوقار والسكينة. كقوله : (يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً) (١) (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أي : أنقص منه ، واخفضه ، ولا تتكلف رفعه ، فإن الجهر بأكثر من الحاجة يؤذي السامع. وجملة : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) تعليل للأمر بالغض من الصوت ، أي : أوحشها ، وأقبحها. قال قتادة : أقبح الأصوات صوت الحمير ؛ أوّله زفير ، وآخره شهيق قال المبرد : تأويله إن الجهر بالصوت ليس بمحمود ، وإنه داخل في باب الصوت المنكر ، واللام في لصوت : للتأكيد ، ووحد الصوت مع كونه مضافا إلى الجمع : لأنه مصدر ، وهو يدلّ على الكثرة ، وهو مصدر صات يصوت صوتا فهو صائت.
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتدرون ما كان لقمان؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : كان حبشيّا». وأخرج ابن أبي شيبة ، وأحمد في الزهد ، وابن أبي الدنيا في كتاب المملوكين ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : كان لقمان عبدا حبشيّا نجّارا. وأخرج الطبراني ، وابن حبان في الضعفاء ، وابن عساكر عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اتّخذوا السّودان ، فإنّ ثلاثة منهم سادات أهل الجنة : لقمان الحكيم ، والنّجاشيّ ، وبلال المؤذن». قال الطبراني : أراد الحبشة.
وأخرج ابن مردويه عنه أيضا في قوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ) يعني : العقل ، والفهم ، والفطنة في غير نبوّة. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن عكرمة أنه كان نبيا ، وقد قدّمنا أن الراوي عنه جابر الجعفي ، وهو ضعيف جدا. وأخرج أحمد ، والحكيم الترمذي ، والحاكم في الكنى ، والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ لقمان الحكيم كان يقول : إنّ الله إذا استودع شيئا حفظه» وقد ذكر جماعة من أهل الحديث روايات عن جماعة من الصحابة ، والتابعين تتضمن كلمات من مواعظ لقمان ، وحكمه ، ولم يصح عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم من ذلك شيء ، ولا ثبت إسناد صحيح إلى لقمان بشيء منها حتى نقبله. وقد حكى سبحانه من مواعظه لابنه ما حكاه في هذا الوضع ، وفيه كفاية ، وما عدا ذلك مما لم يصح ؛ فليس في ذكره إلا شغلة للحيز ، وقطيعة للوقت ، ولم يكن نبيا حتى يكون ما نقل عنه من شرع من قبلنا ، ولا صحّ إسناد ما روي عنه من الكلمات ؛ حتى يكون ذكر ذلك من تدوين كلمات الحكمة التي هي : ضالة المؤمن. وأخرج أبو يعلى ، والطبراني ، وابن مردويه ، وابن عساكر عن أبي عثمان النهدي أن سعد بن أبي وقاص قال : أنزلت فيّ هذه الآية (وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي) ، وقد تقدّم ذكر هذا. وأخرج ابن جرير عن أبي هريرة قال : نزلت هذه الآية في سعد بن أبي وقاص. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله : (وَهْناً عَلى وَهْنٍ) قال : شدّة بعد شدة ، وخلقا بعد خلق : وأخرج الطبراني ، وابن عديّ وابن مردويه عن أبي أيوب الأنصاري
__________________
(١). الفرقان : ٦٣.