والكسائي بالفوقية على خطاب بعضهم لبعضهم ، واختار هذه القراءة أبو عبيد ، وقرأ مجاهد وحميد بالتحتية فيهما ، والمراد بوليّ صالح : رهطه (ما شَهِدْنا مَهْلِكَ أَهْلِهِ) أي : ما حضرنا قتلهم ولا ندري من قتله ، وقتل أهله ، ونفيهم لشهودهم لمكان الهلاك ، يدلّ على نفي شهودهم لنفس القتل بالأولى ، وقيل : إن المهلك بمعنى الإهلاك وقرأ حفص والسلمي مهلك بفتح الميم واللام ، وقرأ أبو بكر والمفضل بفتح الميم وكسر اللام (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) فيما قلناه. قال الزجاج : وكان هؤلاء النفر تحالفوا أن يبيتوا صالحا وأهله ، ثم ينكروا عن أوليائه أنهم ما فعلوا ذلك ولا رأوه وكان هذا مكرا منهم ، ولهذا قال الله سبحانه : (وَمَكَرُوا مَكْراً) أي : بهذه المحالفة (وَمَكَرْنا مَكْراً) جازيناهم بفعلهم فأهلكناهم (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) بمكر الله بهم (فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ) أي : انظر ما انتهى إليه أمرهم الذي بنوه على المكر ، وما أصابهم بسببه (أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) قرأ الجمهور بكسر همزة أنا ، وقرأ حمزة والكسائي والأعمش والحسن وابن أبي إسحاق وعاصم بفتحها ، فمن كسر جعله استئنافا. قال الفراء والزجاج : من كسر استأنف ، وهو يفسر به ما كان قبله ، كأنه جعله تابعا للعاقبة ، كأنه قال : العاقبة إنا دمرناهم ، وعلى قراءة الفتح ، يكون التقدير بأنا دمرناهم ، أو لأنا دمرناهم ، وكان تامة ، وعاقبة فاعل لها ، أو يكون بدلا من عاقبة ، أو يكون خبر مبتدأ محذوف ، أي : هي أنا دمرناهم ويجوز أن تكون كان ناقصة وكيف خبرها ، ويجوز أن يكون خبرها أنا دمرنا. قال أبو حاتم : وفي حرف أبيّ أن دمرناهم. والمعنى في الآية : أن الله دمر التسعة الرهط المذكورين ، ودمّر قومهم الذين لم يكونوا معهم عند مباشرتهم لذلك ، ومعنى التأكيد بأجمعين ، أنه لم يشذ منهم أحد ، ولا سلم من العقوبة فرد من أفرادهم ، وجملة (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) مقرّرة لما قبلها. قرأ الجمهور خاوية بالنصب على الحال. قال الزجاج : المعنى فانظر إلى بيوتهم حال كونها خاوية ، وكذا قال الفراء والنحاس ، أي : خالية عن أهلها خرابا ، ليس بها ساكن. وقال الكسائي وأبو عبيدة : نصب خاوية على القطع ، والأصل فتلك بيوتهم الخاوية ، فلما قطع منها الألف واللام نصبت ، كقوله : (وَلَهُ الدِّينُ واصِباً) وقرأ عاصم بن عمر ونصر بن عاصم والجحدري وعيسى بن عمر برفع «خاوية» على أنه خبر اسم الإشارة ، وبيوتهم بدل ، أو عطف بيان ، أو خبر لاسم الإشارة ، وخاوية خبر آخر ، والباء في (بِما ظَلَمُوا) للسببية ، أي : بسبب ظلمهم (إِنَّ فِي ذلِكَ) التدمير والإهلاك (لَآيَةً) عظيمة (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : يتصفون بالعلم بالأشياء (وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) وهم صالح ، ومن آمن به (وَكانُوا يَتَّقُونَ) الله ويخافون عذابه.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (طائِرُكُمْ) قال : مصائبكم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه في قوله : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) قال : هم الذين عقروا الناقة ، وقالوا حين عقروها : نبيت صالحا وأهله فنقتلهم ، ثم نقول لأولياء صالح : ما شهدنا من هذا شيئا ، وما لنا به علم ، فدمرهم الله أجمعين.