إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

فتح القدير [ ج ٢ ]

فتح القدير [ ج ٢ ]

278/612
*

عن العود إلى مثل هذا السؤال. قال القرطبي : وأجمعت الأمة على أن هذه التوبة ما كانت عن معصية فإن الأنبياء معصومون ؛ وقيل : هي توبة من قتله للقبطي ، ذكره القشيري ، ولا وجه له في مثل هذا المقام (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بك قبل قومي الموجودين في هذا العصر المعترفين بعظمتك وجلالك ، وجملة (قالَ يا مُوسى) مستأنفة كالتي قبلها ، متضمنة لإكرام موسى واختصاصه بما اختصه الله به. والاصطفاء : الاجتباء والاختيار ، أي : اخترتك على الناس المعاصرين لك برسالتي كذا قرأ نافع وابن كثير بالإفراد ، وقرأ الباقون بالجمع. والرسالة مصدر ، والأصل فيه الإفراد ، ومن جمع فكأنه نظر إلى أن الرسالة هي على ضروب ، فجمع لاختلاف الأنواع ، والمراد بالكلام هنا : التكليم. امتنّ الله سبحانه عليه بهذين النوعين العظيمين من أنواع الإكرام ، وهما : الرسالة والتكليم من غير واسطة ، ثم أمره بأن يأخذ ما آتاه ، أي : أعطاه من هذا الشرف الكريم ، وأمره بأن يكون من الشاكرين على هذا العطاء العظيم والإكرام الجليل. قوله (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) من كل شيء : أي من كلّ ما يحتاج إليه بنو إسرائيل في دينهم ودنياهم ، وهذه الألواح : هي التوراة ، قيل : كانت من زمردة خضراء ؛ وقيل : من ياقوتة حمراء ، وقيل : من زبرجد ، وقيل : من صخرة صماء. وقد اختلف في عدد الألواح وفي مقدار طولها وعرضها ، والألواح : جمع لوح ، وسمي لوحا لكونه تلوح فيه المعاني ، وأسند الله سبحانه الكتابة إلى نفسه تشريفا للمكتوب في الألواح ، وهي مكتوبة بأمره سبحانه ؛ وقيل : هي كتابة خلقها الله في الألواح ، و (مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) في محل نصب على أنه مفعول (كَتَبْنا) و (مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً) بدل من محل كل شيء ، أي : موعظة لمن يتعظ بها من بني إسرائيل وغيرهم وتفصيلا للأحكام المحتاجة إلى التفصيل (فَخُذْها بِقُوَّةٍ) أي : خذ الألواح بقوّة ، أي : بجدّ ونشاط ، وقيل : الضمير عائد إلى الرسالات ، أو إلى كل شيء ، أو إلى التوراة ، قيل : وهذا الأمر على إضمار القول ، أي : فقلنا له : خذها ، وقيل : إن (فَخُذْها) بدل من قوله (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) أي : بأحسن ما فيها بما أجره أكثر من غيره ، وهو مثل قوله تعالى (اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) (١) ، وقوله (فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) ، ومن الأحسن الصبر على الغير ، والعفو عنه ، والعمل بالعزيمة دون الرخصة ، وبالفريضة دون النافلة ، وفعل المأمور به ، وترك المنهيّ عنه. قوله (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) قيل : هي أرض مصر التي كانت لفرعون وقومه ، وقيل : منازل عاد وثمود ، وقيل : هي جهنم ، وقيل : منازل الكفار من الجبارة والعمالقة ليعتبروا بها ، وقيل الدار : الهلاك. والمعنى : سأريكم هلاك الفاسقين. وقد تقدّم تحقيق معنى الفسق. قوله (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) قيل : معنى (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ) سأمنعهم فهم كتابي ، وقيل سأصرفهم عن الإيمان بها ، وقيل سأصرفهم عن نفعها مجازاة على تكبرهم كما في قوله (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (٢) ، وقيل : سأطبع على قلوبهم حتى لا يتفكّروا فيها ولا يعتبروا بها.

واختلف في تفسير الآيات ، فقيل : هي المعجزات ، وقيل : الكتب المنزلة ، وقيل : هي خلق السموات والأرض ، وصرفهم عنها : أن لا يعتبروا بها ، ولا مانع من حمل الآيات على جميع ذلك ، وحمل الصرف على

__________________

(١). الزمر : ٥٥.

(٢). الصف : ٥.