قبل أن يتمّ ، والمعنى عندهم تماما على من أحسن قبوله والقيام به كائنا من كان ، ويؤيد هذا أن ابن مسعود قرأ «تماما على الذين أحسنوا» وقال الحسن : كان فيهم محسن وغير محسن ، فأنزل الله الكتاب تماما على المحسنين ؛ وقيل المعنى : أعطينا موسى التوراة زيادة على ما كان يحسنه موسى مما علمه الله قبل نزول التوراة عليه ؛ وقيل المعنى : تماما على الذي أحسن به الله عزوجل إلى موسى من الرسالة وغيرها ، وقيل : تماما على إحسان موسى بطاعة الله عزوجل ، قاله الفراء. قوله : (وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) معطوف على تماما ، أي : ولأجل تفصيل كل شيء ، وكذا (هُدىً وَرَحْمَةً) معطوفتان عليه : أي : وللهدى والرحمة ، والضمير في لعلهم راجع إلى بني إسرائيل المدلول عليه بذكر موسى ، والباء في (بِلِقاءِ) متعلقة بيؤمنون. قوله : (وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ) الإشارة إلى القرآن ، واسم الإشارة مبتدأ وخبره كتاب ، وأنزلناه صفة لكتاب ، ومبارك صفة أخرى له ، وتقديم صفة الإنزال لكون الإنكار متعلقا بها ، والمبارك : كثير البركة لما هو مشتمل عليه من المنافع الدنيوية والدينية (فَاتَّبِعُوهُ) فإنه لما كان من عند الله وكان مشتملا على البركة ، كان اتباعه متحتما عليكم (وَاتَّقُوا) مخالفته والتكذيب بما فيه (لَعَلَّكُمْ) إن قبلتموه ولم تخالفوه (تُرْحَمُونَ) برحمة الله سبحانه ، وأن في (أَنْ تَقُولُوا) في موضع نصب. قال الكوفيون : لئلا تقولوا. وقال البصريون : كراهة أن تقولوا : وقال الفراء والكسائي : المعنى : فاتقوا أن تقولوا يا أهل مكة (إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ) : أي التوراة والإنجيل (عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا) وهم اليهود والنصارى ولم ينزل علينا كتاب (وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِراسَتِهِمْ) أي عن تلاوة كتبهم بلغاتهم (لَغافِلِينَ) أي : لا ندري ما فيها ، ومرادهم إثبات نزول الكتابين مع الاعتذار عن اتباع ما فيهما بعدم الدراية منهم والغفلة عن معناهما. قوله : (أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتابُ) معطوف على (تَقُولُوا) أي : أو أن تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب كما أنزل على الطائفتين من قبلنا (لَكُنَّا أَهْدى مِنْهُمْ) إلى الحق الذي طلبه الله ، فإن هذه المقالة والمعذرة منهم مندفعة بإرسال محمد صلىاللهعليهوسلم إليهم ، وإنزال القرآن عليه ، ولهذا قال : (فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) أي : كتاب أنزله الله على نبيكم ، وهو منكم يا معشر العرب ، فلا تعتذروا بالأعذار الباطلة وتعللوا أنفسكم بالعلل الساقطة ، فقد أسفر الصبح لذي عينين (وَهُدىً وَرَحْمَةٌ) معطوف على (بَيِّنَةٌ) أي جاءكم البينة الواضحة والهدى الذي يهتدي به كلّ من له رغبة في الاهتداء ، ورحمة من الله يدخل فيها كل من يطلبها ويريد حصولها ، ولكنكم ظلمتم أنفسكم بالتكذيب بآيات الله والصدوف عنها ، أي : الانصراف عنها ، وصرف من أراد الإقبال إليها (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللهِ) التي هي رحمة وهدى للناس (وَصَدَفَ عَنْها) فضلّ بانصرافه عنها ، وأضلّ بصرف غيره عن الإقبال إليها (سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ) أي العذاب السيئ ـ ب سبب ما (كانُوا يَصْدِفُونَ) وقيل معنى صدف : أعرض ، ويصدفون : يعرضون ، وهو مقارب لمعنى الصرف ، وقد تقدّم تحقيق معنى هذا اللفظ ، والاستفهام في (فَمَنْ أَظْلَمُ) : للإنكار ، أي : إنكار أن يكون أحد أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها ، مع ما يفيده ذلك من التبكيت لهم.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد (تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ)