صلىاللهعليهوسلم وأمرهم أن يسوقوا البدن حتى تنحر حيث شاء ، ولا يتوهم أن يكون النبى صلىاللهعليهوسلم يهدى الهدى فى الحل وقد أطلق له المشركون أن ينحرها حيث شاء ولا يتوهم أن يكون النبى صلىاللهعليهوسلم وهو بقرب الحرم بل هو فيه.
وروى عن مروان والمسور بن مخرمة قالا : نزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالحديبية فى الحل وكان يصلى فى الحرم ، هذا يبين أنه كان قادرا أن ينحر هديه فى الحرم حيث كان يصلى.
ولا يحتمل أن يترك نحر الهدى فى الحرم وهو على ذلك قادر ، ولأن الحديبية مكان مجمع الحل والحرم جميعا فإنما ذبح فى الحرم لا فى الحل ؛ لما ذكرنا أنه لا يحتمل أن يذبح فى الحل ، وله سبيل [إلى] الذبح فى الحرم.
فإن قيل : حل النبى صلىاللهعليهوسلم عام الحديبية من إحصاره بغير [هدى ؛ لأن الهدى إلى نحره كان هديا ساقه لعمرته لا لإحصاره ، فنحر هديه على النية الأولى ، وحل من إحصاره بغير](١) دم.
قلنا : ليس الأمر عندنا هكذا ؛ لأنه لا يتوهم على النبى صلىاللهعليهوسلم أن يكون حل بغير دم ، وقد أمر الله المحصر بالدم.
فإن قال كذلك قال : وليس فى حديث صلح الحديبية أنه نحر دمين ، وإنما نحر دما واحدا (٢) ، فما وجه ذلك عندكم؟
قيل : وجه ذلك عندنا ـ والله أعلم ـ أن الهدى الذى ساقه كان هدى متعة أو قران فلما منع عن البيت سقط عنه دم القران فجاز له أن يجعله من دم الإحصار. فإن قيل : فكيف قلنا : إن النبى صلىاللهعليهوسلم أزال الهدى عن سبيله ، وأنت تزعم أن من باع هديه فهو مسىء؟ قيل له : إن النبى صلىاللهعليهوسلم لم يصرف الهدى عن نحره لله والتقرب به إليه ، وإنما صرف النية إلى ما هو أفضل منها وأوجب ، فكان ذلك فى فعله متبعا والذى باعه صرفه عن سبيله وترك أن ينحره بعد أن كان نوى به القربة فكان مسيئا ، ومما يدل على أن النبى صلىاللهعليهوسلم جعل الهدى لإحصاره ما روى أنه لم يحلق حتى نحر هديه ، وقال : «يا أيها الناس انحروا وحلوا».
ثم المسألة ما يجب على المحصر بالحج والعمرة من القضاء إذا حل ، فعلى قول أصحابنا إذا كان محرما بالحج يلزمه الحج مكان الأول وعمرة بتفويت الحج ؛ قال الله
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط فى ط.
(٢) من حديث المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، أخرجه البخارى (٣ / ٢٥٢ ـ ٢٥٨) ، كتاب الشروط ، باب (٢٧٣١ ، ٢٧٣٢) ، وأحمد (٤ / ٣٢٣ ، ٣٢٨) ، وأبو داود (٢ / ٩٣ ـ ٩٤) كتاب الجهاد ، باب فى صلح العدو (٢٧٦٥).