ولو قال : «لله علىّ أن أصوم شهرا متتابعا» ، يلزمه أن يصوم متتابعا ، لا يخرج من نذره إلا به ؛ لأن التتابع ذكر للصوم ، فهو لا يسقط عنه أبدا.
والثانى : ما قال عزوجل : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) ، واليسر رخصة ، لم يجز أن يجعل فيه ما هو عسر وضيق : وهو التتابع. والله أعلم.
ثم فى قوله : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) ، دلالة أنه إذا صام من غيره لم يجز ؛ لأنه أضاف عزوجل الصوم إلى الشهر ، وأشار إليه بقوله عزوجل : (فَلْيَصُمْهُ) فلو جاز له أن يصوم من (١) غيره لكان فيه صرف إلى غير ما جعله الله ، وفى ذلك خوف اعتراض لأمره ، وإشراك فى حكمه. ونسأل الله العصمة من الزيغ عن الحق.
وأما قوله عزوجل : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).
قالت المعتزلة : من صام فى السفر أو فى المرض فعل ما لم يرد الله ؛ لأن الله عزوجل أخبر أنه لم يرد العسر ، وإنما أراد اليسر ، فإذا صام فى المرض أو فى السفر أراد العسر ، والله تعالى أخبر أنه لم يرد ، فدل أنه فعل ما لم يرد الله.
لكن الوجه عندنا : أن قوله : (يُرِيدُ اللهُ) ، معناه : أراد الله بكم اليسر لما رخص لكم الإفطار فى السفر ؛ لأنهم أجمعوا على أن الصوم فى السفر أفضل ، والإفطار رخصة ، ولا جائز أن يقال : لم يرد الله ما هو أفضل ، وأراد ما هو دونه على قولهم ، ولكن يقال : أراد لمن أفطر اليسر ، وأراد لمن ترك الإفطار العسر ، وإرادته نافذة ، فلا جائز أن ينفذ فى وجه ولا ينفذ فى وجه آخر.
وقوله عزوجل : (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ) ، أى : يريد أن ييسر عليكم بالإذن فى الفطر ، لا أن يعسر عليكم بالنهى عنه.
وقد يحتمل الفعل ، لكنه لم يذكر عن أحد أن الله تعالى أراد به اليسر فصام ؛ فثبت أن الإرادة موجبة ، مع ما لا يحتمل على قولهم أن يكون الصائم فى السفر غير مراد ، وقد قضى به فرض الله ، وأطاع الله فيه. والمعتزلة يقولون بالإرادة فى كل فعل الطاعة فضلا عن الفريضة.
وقوله : (وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلى ما هَداكُمْ).
قيل (٢) : يعنى تعظمون الله ، (عَلى ما هَداكُمْ) لأمر دينه. ويجوز أن يريد بالتعظيم الأمر بالشكر لما أنعم عليهم من أنواع النعم من التوحيد والإسلام وغيره.
__________________
(١) فى ب : عن
(٢) قاله ابن جرير (٢ / ١٦٣) ، والبغوى (١ / ١٥٣).