والحبلى إذا خافت أن تضع ولدها ، والمرضع إذا خافت الفساد على ولدها» (١) ثبت أن الرخصة لما يخاف من فساد ينزل (٢). ولا قوة إلا بالله.
__________________
(١) أخرجه أحمد (٥ / ٢٩) ، وأبو داود (٢ / ٧٩٦ ، ٧٩٧) كتاب : الصوم ، باب : اختيار الفطر ، الحديث (٢٤٠٨) ، والترمذى (٢ / ١٠٩) كتاب : الصوم ، باب : الرخصة فى الإفطار للحبلى والمرضع الحديث (٧١١) ، وابن ماجه (١ / ٥٣٣) كتاب : الصيام ، باب : الإفطار للحامل والمرضع ، الحديث (١٦٦٧) ، والطحاوى فى «شرح معانى الآثار» (١ / ٤٢٣) كتاب : الصلاة ، باب : صلاة المسافر ، والبيهقى (٣ / ١٥٤) كتاب : الصلاة ، باب : السفر فى البحر كالسفر فى البر ، كلهم من طريق عبد الله بن سوادة عن أنس بن مالك رجل من بنى عبد الله بن كعب ، قال : «أغارت علينا خيل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأتيت رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فوجدته يتغدى ، فقال : ادن فكل ، فقلت : إنى صائم ، فقال : ادن أحدثك عن الصّوم ؛ أو الصيام ، إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ، وعن الحامل أو المرضع الصوم ؛ أو الصيام ، والله لقد قالهما النبى صلىاللهعليهوسلم كلتيهما أو أحدهما ، فيا لهف نفسى ألا أكون طعمت من طعام النبى صلىاللهعليهوسلم.
وقال الترمذى : (حديث حسن ، ولا نعرف لأنس بن مالك هذا عن النبى صلىاللهعليهوسلم غير هذا الحديث الواحد).
(٢) الفقهاء متفقون على أن الحامل والمرضع لهما أن تفطرا فى رمضان ، بشرط أن تخافا على أنفسهما أو على ولدهما المرض أو زيادته ، أو الضرر أو الهلاك ، فالولد من الحامل بمنزلة عضو منها ؛ فالإشفاق عليه من ذلك كالإشفاق منه على بعض أعضائها. قال الدردير : ويجب ـ يعنى الفطر ـ إن خافتا هلاكا أو شديد أذى ، ويجوز إن خافتا عليه المرض أو زيادته. ونص الحنابلة على كراهة صومهما ، كالمريض. ودليل ترخيص الفطر لهما قوله تعالى : (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) وليس المراد من المرض صورته ، أو عين المرض ، فإن المريض الذى لا يضره الصوم ليس له أن يفطر ، فكان ذكر المرض كناية عن أمر يضر الصوم معه ، وهو معنى المرض ، وقد وجد هاهنا ، فيدخلان تحت رخصة الإفطار. وصرح المالكية بأن الحمل مرض حقيقة ، والرضاع فى حكم المرض ، وليس مرضا حقيقة. وكذلك ـ من أدلة ترخيص الفطر لهما ـ حديث أنس بن مالك الكعبى ـ رضى الله تعالى عنه ـ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة ، وعن الحامل أو المرضع الصوم أو الصيام» ، وفى لفظ بعضهم : «عن الحبلى والمرضع». وإطلاق لفظ الحامل يتناول ـ كما نص القليوبى ـ كل حمل ، ولو من زنّى ، وسواء أكانت المرضع أما للرضيع أم كانت مستأجرة لإرضاع غير ولدها ، فى رمضان أو قبله ، فإن فطرها جائز ، على الظاهر عند الحنفية ، وعلى المعتمد عند الشافعية ، بل لو كانت متبرعة ولو مع وجود غيرها ، أو من زنى ، جاز لها الفطر مع الفدية. وقال بعض الحنفية ، كابن الكمال والبهنسى : تقيد المرضع بما إذا تعينت للإرضاع ، كالظئر بالعقد ، والأم بأن لم يأخذ ثدى غيرها ، أو كان الأب معسرا ؛ لأنه حينئذ واجب عليها ، لكن ظاهر الرواية خلافه ، وأن الإرضاع واجب على الأم ديانة مطلقا وإن لم تتعين ، وقضاء إذا كان الأب معسرا ، أو كان الولد لا يرضع من غيرها. وأما الظئر فلأنه واجب عليها بالعقد ، ولو كان العقد فى رمضان ، خلافا لمن قيد الحل بالإجارة قبل رمضان ، كما قال بعض الشافعية ـ كالغزالى ـ : يقيد فطر المرضع ، بما إذا لم تكن مستأجرة لإرضاع غير ولدها ، أو لم تكن متبرعة ، لكن المعتمد المصحح عندهم خلافه ، قياسا على السفر فإنه يستوى فى جواز الإفطار به من سافر لغرض نفسه ، وغرض غيره ، بأجرة وغيرها.
ينظر : الشرح الكبير (١ / ٥٣٦) ، جواهر الإكليل (١ / ١٥٣) ، البدائع (٢ / ٩٧) ، كشاف القناع (٢ / ٣١٣).