الفقير (١) ؛ ألا ترى إلى قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [الواقعة ٦٣ ، ٦٤] وقوله : (فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها) [النمل : ٦٠] ، قيل : أأنتم تنبتونه أم نحن المنبتون؟ وأما ما بعد النبات فيشترك العباد فيه بالسقى والحفظ وغيره ؛ لذلك كان ما ذكرنا. والله أعلم.
وفى قوله تعالى : (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ) ، دلالة على ألا يتصدق بالردىء عن الجيد. فإذا تصدق به يلزمه فضل ما بين الردىء إلى الجيد ، على قول محمد ـ رحمهالله تعالى ـ بظاهر قوله : (وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ). وعند أبى حنيفة وأبى يوسف ـ رضى الله تعالى عنهما ـ : يجوز ولا يختار له ذلك ؛ وذلك أن الله ـ تعالى ـ أطمع الناس قبول ذلك إذا تغامضوا ، فهو أحق أن يطمع فيه القبول لكرمه ولطفه ؛ ولأنه ليس لصفة ما يكال ويوزن من نوعه قيمة ، فإذا لم تكن له قيمة لا يلزمه فضل الصفة.
وقوله تعالى : (الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ).
قوله : (يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) فى الدنيا بالتصدق والإنفاق ، (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) بترك الصدقة.
ويحتمل : (يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ) ، فى الدنيا بطول الأمل وفناء المال ، (وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ) بسوء الظن بربه.
(وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ) بالصدقة ، و (وَفَضْلاً) ذكرا فى الدنيا.
ويحتمل قوله : (وَاللهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ) فى الآخرة ، و (وَفَضْلاً) فى الدنيا ، يعنى خلفا.
وقيل (٢) : (مَغْفِرَةً) لفحشائكم ، و (وَفَضْلاً) لفقركم.
وقوله : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) أى : غنى يقدر إخلاف ما أنفقتم ، (عَلِيمٌ) بجزاء صدقاتكم.
ويحتمل : (عَلِيمٌ) ما تنفقون من الصدقة والحسنة.
وفى قوله : (وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) و (اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) ، ونحوه [دلالة أن الله ـ تعالى ـ](٣) إنما رغب الناس على الصدقات والنفقات ابتلاء ومحنة منه ، لا حاجة وفقرا.
__________________
(١) فى أ ، ط : الصغير.
(٢) قاله قتادة ، أخرجه ابن جرير عنه (٦١٦٨).
(٣) فى ب : ليعلموا أنه.