والثانى النهى عن قتله](١)
ثم اختلف فى حرمة عين الميتة فى حال الاضطرار (٢) وحلها :
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط فى أ ، ط.
(٢) أجمع المسلمون على إباحة أكل الميتة ونحوها للمضطر ، وقد ذكر الله عزوجل الاضطرار إلى المحرمات فى خمسة مواطن من القرآن الكريم : الأول ـ الآية ١٧٣ من سورة البقرة ، وفيها بعد ذكر تحريم الميتة ونحوها : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). الثانى ـ الآية ٣ من سورة المائدة ، وفيها بعد ذكر تحريم الميتة ونحوها : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). الثالث ـ الآية ١٤٥ من سورة الأنعام ، وفيها بعد ذكر تحريم الميتة ونحوها (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). الرابع ـ الآية ١١٩ من سورة الأنعام ، وقد جاء فيها : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ). الخامس ـ الآية ١١٥ من سورة النحل ، وفيها بعد ذكر تحريم الميتة ونحوها : (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
فقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ) معناه : فمن دفعته الضرورة وألجأته إلى تناول الميتة ونحوها ، بأن يخاف عند ترك تناولها ضررا على نفسه أو بعض أعضائه مثلا. والباغى ، هو الذى يبغى على غيره فى تناول الميتة ، بأن يؤثر نفسه على مضطر آخر ، فينفرد بتناول الميتة ونحوها فيهلك الآخر من الجوع. وقيل : الباغى هو العاصى بالسفر ونحوه والعادى : هو الذى يتجاوز ما يسد الرمق ويندفع به الضرر ، أو يتجاوز حد الشبع. والمخمصة : المجاعة ، والتقييد بقوله تعالى : (فِي مَخْمَصَةٍ) إنما هو لبيان الحالة التى يكثر فيها وقوع الاضطرار ، وليس المقصود به الاحتراز عن الحالة التى لا مجاعة فيها ؛ فإن المضطر فى غير المجاعة يباح له التناول كالمضطر فى المجاعة. والمتجانف للإثم : هو المنحرف المائل إليه ، أى : الذى يقصد الوقوع فى الحرام ، وهو البغى والعدوان المذكوران فى الآيات الأخرى.
ومما ورد فى السنة النبوية ما رواه أبو واقد الليثى ـ رضى الله عنه ـ قال : قلت : يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا مخمصة ، فما يحل لنا من الميتة؟ فقال : «إذا لم تصطبحوا ، ولم تغتبقوا ، ولم تحتفئوا بقلا فشأنكم بها».
غير أنهم اختلفوا فى المقصود بالإباحة ، وفى حد الضرورة المبيحة ، وفى تفصيل المحرمات التى يبيحها الاضطرار ، وترتيبها عند التعدد ، وفى الشبع أو التزود منها ، وغير ذلك من المسائل. وبيان ذلك ما يأتى :
المقصود بإباحة الميتة ونحوها :
اختلف الفقهاء فى المقصود بإباحة الميتة ونحوها ، فقال بعضهم : المقصود : جواز التناول وعدمه ؛ لظاهر قوله تعالى : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ). وهذا القول ذهب إليه بعض المالكية والشافعية والحنابلة. وقال آخرون : إن المقصود بإباحة الميتة ونحوها للمضطر : وجوب تناولها. وإلى هذا ذهب الحنفية ، وهو الراجح عند المالكية والشافعية والحنابلة. ودليله قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وقوله عزوجل : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). ولا شك أن الذى يترك تناول الميتة ونحوها حتى يموت يعتبر قاتلا لنفسه ، وملقيا بنفسه إلى التهلكة ؛ لأن الكف عن التناول فعل منسوب للإنسان.
ولا يتنافى القول بالوجوب عند القائلين به مع قوله تعالى : (فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ) ؛ لأن نفى الإثم فى ـ