المرتبة الثالثة : (ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ) [الحج : ٥] ، أى قطعة دم حمراء جامدة ليس فيها أهلية للسيلان ، ولا شك أن بين الماء وبين الدم الجامد مباينة شديدة.
المرتبة الرابعة : (ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ) ، أى قطعة لحم صغيرة ، وهى فى الأصل قدر ما يمضغ ، قوله تعالى : (مُخَلَّقَةٍ) ، أى مسوّاة لا نقض فيها ولا عيب ، (وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ) [الحج : ٥] ، أى غير مسوّاة ، فكأن الله تعالى يخلق المضغ متفاوتة ، منها ما هو كامل الخلقة وأملس من العيوب ، ومنها ما هو على عكس ذلك ، ويتبع هذا التفاوت تفاوت الناس فى خلقهم ، وصورهم ، وطولهم ، وقصرهم ... إلخ.
وقيل فى معنى المخلّقة غير ذلك ، والذى اخترناه أوفق لوجود بناء تفضيل التخليق الدال على تكثير الخلق ، فإن الإنسان ذو أعضاء متباينة ، وقوى متفاوتة ، فإذا أكمل فيه جميع ما يتم به خلقة النوع ، فقد كثر فيه الخلق.
وقوله تعالى : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) [الحج : ٥] ، معناه إنا فعلنا لنبين لكم بهذا التدريج قدرتنا وحكمتنا ، وأن من قدر على خلق البشر من التراب والماء ، ثم من نطفة ثانيا ، ولا تناسب بينهما ، وقدر على أن يجعل النطفة علقة ، وفيها تباين ظاهر ، ثم يجعل العلقة مضغة ، والمضغة عظاما ، من قدر على ذلك قدر على إعادة ما بدأه ، بل هو أدخل فى القدرة وأهون فى القياس.
وأما قوله : (وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [الحج : ٥] ، فهو معطوف على (نبين) فى إحدى القراءتين ، ومعناه إنا خلقناكم من حال إلى حال ، ومن خلق إلى خلق ، لأمرين اثنين :
أحدهما : تبيين قدرتنا على الإعادة ، كما تقدم آنفا.
وثانيهما : الإقرار فى الرحم لغاية التمام ، ثم الخروج طفلا حتى يبلغ الأشد ، أى حد التكليف ، فيكلفوا معرفة الله وتوحيده وطاعته ، فينالوا سعادة الآخرة.
المرتبة الخامسة : (ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً) [الحج : ٥] ، أى تولدوا فى حالة الطفولة ، من صغر الجثة ، وضعف البدن ، والسمع ، والبصر ، وجميع الحواس ، لئلا تهلكوا أمهاتكم بكبر أجرامكم وعظم أجسامكم.
المرتبة السادسة : (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ) [الحج : ٥] ، وقد دخلت اللام هنا تأكيدا لها ،