ووعى ما يدعون إليه من أمور صالحات ، فدعا قومه إلى الاستجابة لهم وعبادة
الله الجدير بالطاعة والعبادة ؛ لأنه الخالق القادر ، الذى لا تنفعه طاعة ، ولا
تضره معصية ، وبيده الخير ، وهو على كل شىء قدير.
أما ما يعبدون
من آلهة ، فهى عاجزة عن حماية نفسها ، وحماية عابديها ، ولكن الكفار عاجلوه بالقتل
، فأدخله الله جناته جزاء لطهارة نفسه ، وثبات يقينه ، وشدة تمسكه بالحق ، (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا
لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ
الْمُكْرَمِينَ) [يس : ٢٦ ، ٢٧].
تمنى فى موقفه
بين يدى ربه أن يحظى قومه بذلك الظل الظليل من النعيم ، بإيمانهم بالرسل ،
واتباعهم لأوامر الله.
هذا مثل مضروب
لأصحاب قرية ظالمة ، وأمر الرسول بأن يقصها على كفار قريش ، فالمواقف متشابهة بين
أصحاب القرية وكفار قريش ، والأحداث تكاد تكون واحدة ، والنتائج أيضا واحدة ، فمنهم
من آمن ، ومنهم من كفر ، وما أطلق الله عليه مثلا ، فهو مثل لاستجماع شروط المثل
فيه كما قدمنا من متمثل له ، ومتمثل به ، وتصوير حال ، وتحقيق هدف.
فالعبرة من
وراء هذه القصة واضحة ، فى الدعوة إلى الاستجابة لكل دعوة بناءة ، والإيمان القوى
القائم على الدليل والبرهان ، وبخاصة إذا كانا مأخوذين من واقع الحياة.
وقد أدى هذا
المثل الغاية المقصودة من ورائه ، فى لفت الأنظار إلى ما حدث قديما من أمور فى
مجتمعات لا تختلف كثيرا عما يحدث فى مجتمعات أخرى بعد حين من الزمن قد يطول ، وقد
يقصر ، فالنفس هى النفس ، والتفكير يتشابه ، ويحتاج الأمر إلى الصبر ، ومحاولة
الإقناع بالدليل وبالبرهان ، ويعرض ما يراد عرضه بأسلوب يجذب الأنظار ، ويقنع
العقل ، ويرضى المنطق ، وبخاصة لو صيغ هذا المثل فى ثوب فضفاض من القصص والأسلوب
الحوارى الذى تبدو فيه الشخصيات المتنوعة ، وما تعرضه من واقع وأحداث تكون بمثابة
الدليل والبرهان على ما يعرض من أمور العقائد ، وبخاصة الأساسية منها من إيمان
بالله وحده ، واتباع للرسول فى كل ما يأتى به ، الإيمان بالبعث ، والحساب ،
والنشور ، الطاعة لله فى كل أوامره.
الرسول ما عليه
إلا البلاغ ، العمل من أجل الآخرة ، الجهاد باب من أبواب الجنة.