المغيبات وإخباره عنها على إلهيته.
وفى هذا بيان لواقع محسوس ، ومشاهد ملموس ، وهو أن قدرة عيسى ، عليهالسلام ، ليست تامة ، وعلمه ليس شاملا ، وليس فى وسعهم إنكار هذا أبدا ، إلا فى إصرار على الباطل وعناد مع الحق ، نعم عاندوا وأصروا على ما هم عليه من الزعم الفاسد والاعتقاد الباطل فى حق عيسى ، عليهالسلام ، وأعرضوا عن الحجج والبينات المؤدية إلى الاعتقاد الحق ، والتدين بالدين القويم ، فأوعدهم الله بقوله : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) [آل عمران : ٦٣] ، أى فإن أعرضوا عن التمسك بالحجج والاعتقاد بوحدانية الإله ، فاعلم أن توليهم وإعراضهم ليس إلا على سبيل العناد ، فاقطع كلامك عنهم ، وفوّض أمرك إلى الله تعالى ، فإنه تعالى مطلع على ما فى قلوبهم من التمرد والعناد ، قادر على مجازاتهم ، ثم إن قوله : (فَإِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ) فيه وضع للظاهر موضع المضمر ليدل على أن التولى عن الحجج والإعراض عن التوحيد ، إفساد للدين والاعتقاد ، المؤدى إلى فساد النفس ، بل إلى فساد العالم.
إلى كلمة سواء :
ثم إن القوم لما أعرضوا على المباهلة خوفا من أن يهلكهم الله تعالى بطريق الاستئصال ، وأظهروا بعض الانقياد والصغار ، حيث التزموا بأداء الجزية كما تقدم ذلك ، أعرض الله تعالى عن المجادلة معهم بتجهيلهم وبيان سخافة عقولهم ، وسلك سبيل الرشاد باللطف والإنصاف ، بحيث لا يميل فيه إلى جانب ، ولا يشوبه شىء من التعصب والتحكم ، فقال تعالى : (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران : ٦٤] ، أى هلموا إلى كلمة ذات استواء وعدل ، وسواء مصدر ، كذهاب وصلاح وفساد ، ومعناه الاستواء والاعتدال ، وصفت الكلمة به مبالغة فى استوائها ، وعدم الاختلاف فيها بين الكتب المنزلة من السماء وبين الأنبياء المرسلين ، فهو من قبيل رجل عدل.
والمعنى : تعالوا إلى كلمة عادلة مستقيمة مستوية بين أهل الشرائع الإلهية ، إذا أتينا بها نحن وأنتم كنا على السواء والاستقامة ، سمى الكلام التام المفيد للمقصود (كَلِمَةٍ) على طريق تسمية الكل باسم جزئه ، ومن تسميتهم القصيدة بتمامها قافية ، مع أن