إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

فتح القدير [ ج ١ ]

فتح القدير [ ج ١ ]

591/632
*

فخصّ بها نفسه ، وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير ، فقدمت ضافطة من الشام ، فابتاع عمي رفاعة بن رافع جملا من الدرمك ، فجعله في مشربة (١) ، وفي المشربة سلاح له درعان وسيفاهما وما يصلحهما ، فعدي عليه من تحت الليل ، فنقبت المشربة ، وأخذ الطعام والسلاح ، فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال : يا ابن أخي! تعلم أن قد عدي علينا في ليلتنا هذه ، فنقبت مشربتنا ، فذهب بطعامنا وسلاحنا ، قال : فتحسسنا في الدار وسألنا ، فقيل لنا : قد رأينا بني أبيرق استوقدوا نارا في هذه الليلة ، ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم ، وكان بنو أبيرق قالوا ونحن نسأل في الدار : والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلا منا له صلاح وإسلام ، فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه ثم أتى بني أبيرق وقال : أنا أسرق؟ فو الله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة ، قالوا : إليك عنا أيها الرجل! فو الله ما أنت بصاحبها ، فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها ، فقال لي عمي : يا ابن أخي أو أتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكرت ذلك له ؛ قال قتادة : فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله! إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد فنقبوا مشربة له ، وأخذوا سلاحه وطعامه ، فليردّوا علينا سلاحنا ، وأما الطعام فلا حاجة لنا فيه ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : سأنظر في ذلك ؛ فلما سمع ذلك بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له : أسير بن عروة ، فكلموه في ذلك واجتمع إليه ناس من أهل الدار ، فأتوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : يا رسول الله! إن قتادة بن النعمان وعمه عمدوا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت ، قال قتادة : فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فكلمته فقال : عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت؟ قال قتادة : فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك ، فأتاني عمي رفاعة فقال لي : يا بن أخي! ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : الله المستعان ، فلم نلبث أن نزل القرآن : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) بني أبيرق (وَاسْتَغْفِرِ اللهَ) أي : مما قلت لقتادة (إِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً. وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ) إلى قوله : (ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) أي : لو استغفروا لهم (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً) إلى قوله : (فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) قولهم للبيد. (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) يعني : أسير بن عروة ، فلما نزل القرآن أتى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالسلاح فرده إلى رفاعة ؛ قال قتادة : فلما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا قد غشي في الجاهلية ، أي : كبر ، وكنت أرى إسلامه مدخولا ، فلما أتيته بالسلاح قال : يا ابن أخي! هو في سبيل الله ، فعرفت أن إسلامه كان صحيحا ، فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين ، فنزل على سلافة بنت سعد فأنزل الله : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى) إلى قوله : (ضَلالاً بَعِيداً) (٢) فلما نزل على سلافة رماها حسان بن ثابت بأبيات من شعر ، فأخذت رحله فوضعته على رأسها ثم خرجت فرمت به في الأبطح ، ثم قالت : أهديت لي شعر حسان؟ ما كنت تأتيني بخير. قال الترمذي : هذا حديث غريب ، لا

__________________

(١). المشربة : بفتح الراء وضمها : الغرفة.

(٢). النساء : ١١٥ ـ ١١٦.