فعلى قاتله الدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن جرير ، وابن المنذر من طريق عطاء ابن السائب عن أبي عياض قال : كان الرجل يجيء فيسلم ، ثم يأتي قومه وهم مشركون فيقيم فيهم ، فتغزوهم جيوش النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، فيقتل الرجل فيمن يقتل ، فأنزل الله هذه الآية : (فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) وليست له دية. وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في سننه من طريق عطاء بن السائب عن أبي يحيى ، عن ابن عباس نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله : (تَوْبَةً مِنَ اللهِ) يعني : تجاوزا من الله لهذه الأمة ، حيث جعل في قتل الخطأ الكفارة. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن عكرمة : أن رجلا من الأنصار قتل أخا مقيس ابن صبابة ، فأعطاه النبي صلىاللهعليهوسلم الدية ، فقبلها ، ثم وثب على قاتل أخيه ، وفيه نزلت الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير نحوه ، وفيه : أن مقيس بن صبابة لحق بمكة بعد ذلك وارتدّ عن الإسلام. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) بعد التي في سورة الفرقان بثمان سنين وهي قوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) إلى قوله : (غَفُوراً رَحِيماً) (١). وأخرج عبد الرزاق ، وسعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني عن زيد بن ثابت أن قوله : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً) نزلت بعد قوله : (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ) بستة أشهر. وأخرج ابن المنذر عنه قال : نزلت هذه الآية التي في النساء بعد قوله : (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) بأربعة أشهر ، والآثار عن الصحابة في هذا كثيرة جدّا ، والحق ما عرّفناك.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٩٤))
هذا متصل بذكر الجهاد والقتال ، والضرب : السير في الأرض ، تقول العرب : ضربت في الأرض : إذا سرت لتجارة أو غزو أو غيرهما ، وتقول : ضربت الأرض ، بدون في : إذا قصدت قضاء حاجة الإنسان ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : «لا يخرج رجلان يضربان الغائط». قوله : (فَتَبَيَّنُوا) من التبين ، وهو التأمل ، وهي قراءة الجماعة إلّا حمزة ، فإنه قرأ : «فثبتوا» من التثبت. واختار القراءة الأولى أبو عبيدة ، وأبو حاتم قالا : لأن من أمر بالتبين فقد أمر بالتثبت ، وإنما خصّ السفر بالأمر بالتبين ، مع أن التبين والتثبت في أمر القتل واجبان حضرا وسفرا بلا خلاف ، لأن الحادثة التي هي سبب نزول الآية كانت في السفر كما سيأتي. قوله : (ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السّلم) وقريء السَّلامَ ، ومعناهما واحد. واختار أبو عبيدة السلام. وخالفه أهل النظر فقالوا : السلم هنا أشبه لأنه بمعنى الانقياد والتسليم. والمراد هنا : لا تقولوا لمن ألقى بيده إليكم واستسلم : لست مؤمنا ، فالسلم والسلام كلاهما بمعنى الاستسلام ؛ وقيل : هما بمعنى الإسلام ، أي : لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ـ أي : كلمته ، وهي الشهادة ـ : لست مؤمنا ؛ وقيل : هما بمعنى التسليم ، الذي هو تحية
__________________
(١). الفرقان : ٦٨.