أهل طاعته ، ففي الكلام حذف ، وهو لفظ الألسن ، كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) (١) وقيل : المحذوف التصديق ، أي : ما وعدتنا على تصديق رسلك ؛ وقيل : ما وعدتنا منزلا على رسلك ، أو محمولا على رسلك ، والأول أولى. وصدور هذا الدعاء منهم ـ مع علمهم أن ما وعدهم الله به على ألسن رسله كائن لا محالة ـ ، إما لقصد التعجيل ، أو : للخضوع بالدعاء ، لكونه مخ العبادة ، وفي قولهم : (إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعادَ) دليل على أنهم لم يخافوا خلف الوعد ، وأن الحامل لهم على الدعاء هو ما ذكرنا.
وقد أخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه عن ابن عباس قال : أتت قريش اليهود فقالوا : ما جاءكم به موسى من الآيات؟ قالوا عصاه ويده بيضاء للناظرين ، وأتوا النصارى فقالوا : كيف كان عيسى فيكم؟ قالوا : كان يبرئ الأكمه ، والأبرص ، ويحيي الموتى ، فأتوا النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهبا ، فدعا ربه ، فنزلت : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) الآية. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس قال : بتّ عند خالتي ميمونة ، فنام رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى انتصف الليل ، أو قبله بقليل ، أو بعده بقليل ، ثم استيقظ ، فجعل يمسح النوم عن وجهه بيده ، ثم قرأ العشر الآيات الأواخر من سورة آل عمران حتى ختم. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، والطبراني ، والحاكم في الكنى ، والبغوي في معجم الصحابة عن صفوان بن المعطل قال : كنت مع النبيّ صلىاللهعليهوسلم في سفر فذكر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن مسعود في قوله : (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) الآية ، قال : إنما هذه في الصلاة ، إذا لم يستطع قائما فقاعدا ، وإن لم يستطع قاعدا فعلى جنبه. وقد ثبت في البخاري من حديث عمران بن حصين قال : «كانت بي بواسير ، فسألت النبي صلىاللهعليهوسلم عن الصلاة فقال : صلّ قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب». وثبت فيه عنه قال : «سألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن صلاة الرجل وهو قاعد قال : من صلّى قائما فهو أفضل ، ومن صلّى قاعدا فله نصف أجر القائم ، ومن صلّى نائما فله نصف أجر القاعد». وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : هذه حالاتك كلها يا ابن آدم ، اذكر الله وأنت قائم ، فإن لم تستطع فاذكره جالسا ، فإن لم تستطع فاذكره وأنت على جنبك ، يسر من الله وتخفيف.
وأقول : هذا التقييد الذي ذكره بعدم الاستطاعة مع تعميم الذكر لا وجه له ، لا من الآية ولا من غيرها ، فإنه لم يرد في شيء من الكتاب والسنة ما يدل على أنه لا يجوز الذكر من قعود إلا مع عدم استطاعة الذكر من قيام ، ولا يجوز على جنب إلا مع عدم استطاعته من قعود. وإنما يصلح هذا التقييد لمن جعل المراد بالذكر هنا الصلاة ، كما سبق عن ابن مسعود. وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن حبان في صحيحه ، وابن مردويه عن عائشة مرفوعا : ويل لمن قرأ هذه الآية ولم يتفكر فيها. وأخرج ابن أبي الدنيا في التفكر عن سفيان رفعه : «من قرأ آخر سورة آل عمران فلم يتفكر فيها ويله ، فعدّ أصابعه عشرا». قيل للأوزاعي : ما غاية التفكر فيهنّ؟ قال : يقرؤهنّ وهو يعقلهنّ. وقد وردت أحاديث وآثار عن السلف في استحباب التفكر مطلقا. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن أنس في قوله : (مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) قال : من
__________________
(١). يوسف : ٨٢.